الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Symposia الندوات
 
من حقائق السُّهرَوَرْدِيِّ
في إطار احتفالية حلب عاصمة الثقافة الإسلامية في التصوف - الحركة العلمية والأدبية في حلب زمن الأيوبيين
سوريا/حلب
2006-11-28
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني  
مقدمة:
"إذا واظبتَ على التفكُّر في العالم القدسيِّ، وصُمتَ عن المطاعمِ ولذّاتِ الحواس .. وصلَّيتَ بالليالي .. وناجيتَ الملأ الأعلى متلطِّفًا متملِّقًا، وقرأتَ الوحيَ الإلهيَّ كثيرًا، وطرَّبْتَ نفسَكَ .. تطريبًا، وعبدتَ ربَّكَ تعظيمًا .. ربما تخطَف عليك أنوارٌ مثلُ البرقِ لذيذةٌ .. وتحصلُ لك حالاتُ مشاهدة"[1]...
"ظنّ العامة أن لا لذَّةَ غيرُ الحسية، ولم يعلموا أن لذَّةَ الملايكة بجوار الله تعالى وشهودِ جلاله، أعظمُ مما للبهائم بمطاعمها ومطالبها .. وعديمُ الذوق قد لا يشتاق إلى اللذَّة، وإن صحَّ عنده وجودُها .. وأشدُّ مبتهَجٍ ومتلذَّذٍ هو الحقُّ الأول، لأنَّهُ أشدُّ الأشياء إدراكًا"[2]...
هكذا قال السُهروردي حين وقف في مطلَع الشمس، فأبصرَ ما لم يبصره الأرمد، وشاهد شمسَ الحقيقة في مطلَعٍ غيبيٍّ أوحد، فطفِح كيلُه بالرقائق، وفاضَ كأسُه بشراب الحقائق.
ولمّا كثر عليه جاهلوه، ورماه الظانُّون بما ليس فيه، قسمتُ بحثي فيه رحمهُ الله قسمين:
- الأولِ في براءةِ الحقائق السهروردية من الانحراف.
- والثاني في عرضِ بعضِ حقائقه الواردة في شعره الجميل.
وقد نهجتُ فيهما منهج الإجمال والاختزال والاختصار.
1- براءة حقائق السهروردي من الانحراف عن منهج أهل السنة:
اتهمه من لا يعرفه بأمور منها:
أ- اتباعه منهج الفلاسفة الكفرة.
ب- تقديمه الأولياء الحكماء على الأنبياء.
ج- انتسابه إلى الشيعة.
د- انتسابه إلى الإسماعيلية.
وكلها مردودة بكلامه ولوازمه.
أ- بيان انتهاجه منهجًا مغايرًا لمنهج كفار الفلاسفة:
اعتقد كفار الفلاسفة قِدَمَ العالم حين قرَّروا قِدَمَ المادة قبل حدوث صُوَرِ العالم، وأسمَوا تلك المادة الهيولى، وسموها العدم أيضًا، فالعدم أو الهيولى أو مادة العالم عندهم هي قديمة قبل الصور[3]، ووافقهم في ذلك المعتزلة حين قالوا: المعدوم الممكن قبل وجوده شيءٌ وذاتٌ ومتقرِّرٌ في نفسه في الخارج.، ووافقهم في ذلك المعتزلة حين قالوا: المعدوم الممكن قبل وجوده شيءٌ وذاتٌ ومتقرِّرٌ في نفسه في الخارج.
وردَّ إمامُ أهل السنة الأشعريُّ عليهم بقوله الشهير: الوجودُ عينُ الموجود[4]..
وذهب السيوطيُّ في الحاوي إلى تحريم الاشتغال بالمنطق خوفًا من القول بقدم هيولى العالم، فقال: "فنُّ المنطق فنٌّ خبيثٌ مذمومٌ يحرُمُ الاشتغالُ به، لبناءِ بعضِ ما فيه على القول بالهيولى الذي هو كفرٌ يجرُّ إلى الفلسفة والزندقة"[5]..
لكنَّ السُّهروردي لما ذكر في كتبه الهيولى قرَّر حدوثَها لا قدمَها، وتلازمَها مع صور العالم المخلوقة، فقال: "الهيولى لا يتصور وجودها دون صورة"[6]...
وقال: "فلا إمكان لتجرُّد الهيولى عن صورة مخصصة"[7]...
وقال: "بلى يجوز أن يكون شيئان، وجودُ أحدهما مع الآخر ضرورةً كالمتضايفين .. فالهيولى والصورة وجودهما عن فاعل خارج"[8]...
وقرر السهرورديُّ أنَّ "وجود الوجود هو"[9]، فوافق بذلك مذهب الأشعريِّ بأنَّ الوجودَ عينُ الموجود.، فوافق بذلك مذهب الأشعريِّ بأنَّ الوجودَ عينُ الموجود.، فوافق بذلك مذهب الأشعريِّ بأنَّ الوجودَ عينُ الموجود.
وقال السُّهروردي مبينًا مذهبه في العدم: "العدم ليس له حقيقة محصلة، بل هو عبارة عن اللاوجود"[10]، فخالف بذلك المعتزلة والفلاسفة الذين ذهبوا إلى أن العدم شيءٌ متقرِّرٌ في نفسه.، فخالف بذلك المعتزلة والفلاسفة الذين ذهبوا إلى أن العدم شيءٌ متقرِّرٌ في نفسه.، فخالف بذلك المعتزلة والفلاسفة الذين ذهبوا إلى أن العدم شيءٌ متقرِّرٌ في نفسه.
وأكد السهرورديُّفي هياكل النور مذهبه المطابق لما عليه الجمهور في الروح، أنَّها حادثةٌ كالبدن لا قديمة، وأنها ليست الباري جلَّ وعزَّ، وليست جزءًا منه[11]...
ثم إنَّ العلة عند كفار الفلاسفة هي فاعل من غير اختيار، لكنَّ السهروردي شرح العلة بمثال النجّار، الفاعلِ بالاختيار[12]...
ب-بيان تقديمه الأنبياءَ على الأولياء:
قرر السهروردي في مورد النبوات من اللمحات أنه "لا بد في كل عصرٍ من شارعٍ فاضلِ النفس، مطَّلعٍ على الحقايق، مؤيَّدٍ من عند الله بأفعالٍ تتقاصر عنها قوى نوعه، ليعلموا أنه فيما يقول صادق، وإنما أنـزل بعلم الله، ويتلقى من لدن حكيم عليم، فتتبعه الكافة"[13]...
ويؤخذ من قول السهروردي هذا أنه لا يستثني من وجوب اتباع النبي أحدًا، ثم قال واصفًا النبي: "وله شرايط: أن يكون مأمورًا من الملأ الأعلى بالتدارك والإصلاح، والثاني أن يتعلم العلم من روح القدس بلا تعلم بشري .. والثالث أن تطيعه مادة العالم العنصري بتحريك وتسكين وغيرهما"[14]...
وبين السُّهروردي أن غير الأنبياء من الحكماء المتجرِّدين والأولياء قد تظهر عليهم خوارق العادات[15]، لكنه أكَّد اختصاصَ النبيِّ بكونه مأمورًا من عند الله بإصلاح النوع[16].، لكنه أكَّد اختصاصَ النبيِّ بكونه مأمورًا من عند الله بإصلاح النوع.، لكنه أكَّد اختصاصَ النبيِّ بكونه مأمورًا من عند الله بإصلاح النوع.
وعلى هذا فالمأمور من الله تعالى على مذهبه واحد هو النبي لا الولي، وعلى الولي وغيره أن يتَّبع النبيَّ، وأظنُّ أنَّ هذا البيانَ في النبوات مجزِئٌ لردِّ ضدِّهِ المنسوب إليه رحمه الله.
ج- رد القول على واصفيه بالانتساب إلى الشيعة:
وأكتفي لإثبات ذلك بأن السهروردي ينسب الشرف إلى أبي بكرٍ وعمرَ، ويقرِّرُ تقدُّم أبي بكرٍ في الشرف على عمر[17]، وهي لغةٌ بعيدة تمامًا عن استعمالات الشيعة.، وهي لغةٌ بعيدة تمامًا عن استعمالات الشيعة.، وهي لغةٌ بعيدة تمامًا عن استعمالات الشيعة.
د- رد القول على واصفيه بالانتساب إلى الإسماعيلية:
توهَّم كلٌّ من فون كريمر[18] وهورتن[20]، وتبع المستشرقين في ذلك الاتهامِ للسُهروردي بعضُ الأدباء الفضلاء الذين لم يدرسوا كلام السهروردي دراسة كافية.، وتبع المستشرقين في ذلك الاتهامِ للسُهروردي بعضُ الأدباء الفضلاء الذين لم يدرسوا كلام السهروردي دراسة كافية. وهورتن أن عبارة الإمام السهروردي مندرجةٌ في الدعوى الإسماعيلية لأبناء سيدنا عليٍّ رضي الله تعالى عنه، والدعوةِ الباطنية إلى الإمامة، وهي قوله رحمه الله: "العالم ما خلا قطُّ عن الحكمة، وعن شخصٍ قائمٍ بها عنده الحجج والبينات"، وتبع المستشرقين في ذلك الاتهامِ للسُهروردي بعضُ الأدباء الفضلاء الذين لم يدرسوا كلام السهروردي دراسة كافية.
ونحن نقرأ كلام السهروردي ذاك في سياق معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحِ الذي يقول فيه: (لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ)[21]...
واستعمال السهروردي لعبارة (شخص) هو من قبيل إيراد اسم الجنس، ومثل هذا الاستعمال جاء في كلام أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الذي قال فيه: (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة)[22]...
ثم إن السُّهروردي مخالفٌ تمامًا لمبادئ الإسماعيلية التي تقول: "إن الحق تعالى لا هو موجود ولا لاموجود، ولا عالمٌ ولا جاهل، ولا قادرٌ ولا عاجز، وليس بقديمٍ ولا محدث"[23]، والتي تُقرِّرُ أن "التوحيد مفتقرٌ إلى النبوة وأن النبوة مفتقرة إلى الإمامة"[24]..، والتي تُقرِّرُ أن "التوحيد مفتقرٌ إلى النبوة وأن النبوة مفتقرة إلى الإمامة".
ومن قرأ كتب السهروردي رحمه الله يعلم أنه أبعد الناس عن تلك المبادئ، فقد قال رحمه الله: "واجبُ الوجود .. لا ندَّ له .. فلا ضدَّ ولا ممانعَ له مساويًا في القوة .. وهو المنفرد بجلاله وعظمته"[25]، ، ، وهو نقيضُ اعتقاد الإسماعيلية بالخالق بأنه "لا هو موجود ولا لاموجود".، وهو نقيضُ اعتقاد الإسماعيلية بالخالق بأنه "لا هو موجود ولا لاموجود". ..وهو نقيضُ اعتقاد الإسماعيلية بالخالق بأنه "لا هو موجود ولا لاموجود".
وقال رحمه الله: "وليس علمه مما يتغير بالأزمنة الثلاثة، فإنك إذا علمت أن (ج) سيكون، ثم كان، وبقي علمك كما كان فهو جهل .. فواجب الوجود علمُه غير زمانيٍّ"[26]، ، ، وهو نقيضُ اعتقاد الإسماعيلية بالخالق بأنه "لا عالم ولا جاهل".، وهو نقيضُ اعتقاد الإسماعيلية بالخالق بأنه "لا عالم ولا جاهل.وهو نقيضُ اعتقاد الإسماعيلية بالخالق بأنه "لا عالم ولا جاهل.
وقد تبين مما ذكرناه في عقد النبوات أنه يرى افتقار الجميع إلى النبي، ووجوبَ اتباعهم له، فهو إذًا بعيدٌ عن القول بافتقار النبوة إلى الإمامة.
والسهروردي يبطل القول بالتناسخ الذي يقول به بعض الباطنية، ويقرر أنه محال وباطل[27].. الذي يقول به بعض الباطنية، ويقرر أنه و.
2- من حقائق السهروردي في شعره:
لئن كان السهروردي زاهدًا في الخلق، معرضًا عن اعتبارهم، فإنه كان مع ذلك جامعًا بين الشوق إلى الحقيقة، والتشوف إلى كمال التلبس بالشريعة، وهو القائل:





فإلى لقاكمْ نفسُهُ مرتاحةٌ





وإلى رضاكمْ طرفُهُ طَمَّاحُ[28]





أي لا ترتاح لطيفته الروحانية إلا بالانجذاب والاستغراق في شهود حضرة محبوبه الأحدية الحقِّية الإطلاقية، ولا يتطلَّع بصره وحواسُّه ولا يطمح إلا إلى محل رضى هذا المحبوب وهو مراداته الشرعية، فهو بباطنه يرتاح بالحقيقة، وبظاهره يرنو ويتطلع إلى الشريعة.
وهو يذكرنا بقول ابن الفارض:





ما بين معتَرَكِ الأحداقِوالمُهَجِ





أنا القتيل بلا إثمٍ ولاحرجِ





فمعترك الأحداق معاناةُ الحسِّ ومجاهدته في تطبيق الشريعة، ومعترك المهج عروجُها في منازل القرب، وهو القتيل بين هذا وذاك، أي الفاني في إرضاء محبوبه بلا إثم ولا حرج على قاتله، الذي هو سيده المالك له، والمالك لا يسأل عما يفعل في ملكه.
وفي معنى قريبٍ من هذا يقول السهروردي رحمه الله:





بُشِّرتُ أنك قاتليروحي فداءُمبشِّري





يا حبذا إن كنتَ قاتلإن صحَّ أنكلي مواصل[29]





فطالما أن المفنيَ له محبوبه فهو المتمني لذلك الفناء، بل وروحه فداءٌ لواردٍ حقِّيٍّ يرد ببشارة وصال المحبوب إليه.
ويقول السهروردي وهو يطلب محبوبه في مجاهداته:





كلَّ يوم يروعني منك عتبُ





أيُّ ذنب جناه فيكَ المحبُّ[30]





فهو يلاحظ تنبيهَ محبوبه له في أدقِّ دقائق سلوكه وخواطره، ويرى فيما يجري عليه من أقداره في بعض الأوقات نوعَ عتب، ويستشفع بمحبته له التي لم يجن فيها ذنبًا بالالتفات إلى الغير، فلعل صدقه في المحبة يشفع له في ذلك العتاب.
ويبين حال المحبين الذين باعوا لمولاهم النفوس لا لهواهم ورعونات كثائفهم، فيقول:





سمحوا بأنفسهم وما بخلوا بها





لما دروا أن السماح رباح[31]





فقد علموا أنَّ ذلك التخلي عن النفس، والفرار إلى الحق هو عين الربح والفوز، لأنه ما خسر أبدًا من تخلّى عن الفاني في سبيل الباقي.
ولما تركوا النفوس وفازوا بالقدوس، تجلى لهم بجماله، وعرَّفَهم معارف كماله، فما عاد لهم بعدها فرحٌ إلا به، ولا طربٌ إلا بذكره:





لا يطربون بغير ذكر حبيبهم





أبدًا فكل زمانهم أفراح[32]





ولما حضرت في محل القرب أسرارهم، غابت شواهد الحسِّ في ذواتهم، وبغياب الحسِّ وتجلّي أنوارِ حضرة القدس، هيمن سلطان الغيب على الغائبين فيه، فتهتكت الأرواح، بانعدام حكم الأشباح، وصاحوا حين لم يبق من صحو الحس فيهم بقية:





حضروا وقد غابت شواهد ذاتهم





فتهتكوا لما رأوه وصاحوا[33]





ولما استهلكوا في حال الفناء تلاشت أرواحهم في محبوبها، فكان هو الباقي وحده، وكانوا هم العدم المحض، فلا حلول له فيهم ولا اتحاد بينه وبينهم، بل فناءُ محبٍّ في شهوده، وبقاءُ محبوبٍ في وجوده:





أفناهُمُ عنهمْ وقد كشفت لهم





حُجُبُ البقا فتلاشتِ الأرواحُ[34]





لكنَّ السهروردي بعدها ينتقل من توصيف الفناء الذي يمر به الصوفي إلى البقاء بإمداد الحق، فصيرُ فيه قادرًا على شُكْرِ من وهبه وأعطاه، وفي هذا المعنى يقول:





وإذا الحسنُ بدا فاسجد لههذهأنوار ليلى قد بدتفالفتى من سَلَبَتْهُجملةً





فسجودُ الشكرِ فرضٌيا أُخَيْفَلِسَلْبِ العقل يا صاحِ تَهَيْلا الذيتَسْلُبُهُ شيئًا فَشَيْ[35]





إنها العبودية التي يسلم فيها العقلُ للمحبوب قيادَه، والمعتبَرُ بين القوم مَنْ يَسلبُ محبوبُه منه عقلَه وروحَه ونفسَه جملة واحدة، لا الذي يكون انجذابه إليه على التراخي شيئًا فشيئًا.
وحين يُسَلِّمُ ذلك العقلُ قيادَه إلى محبوبه يردُّه المحبوب إلى صاحبه محمَّلاً بالمعرفة، فيصير بعدها خمّارَ المعارف الذي يطوف على الخلق، فيسقيهم من معاني كؤوس التوحيد والعشق ألوانًا، وفي هذا يقول السهروردي:





ودارت علينا للمعارف قهوةٌ





يطوف بها من جوهر العقل خمار[36]





فتكتمل دورة العقل التي سافر فيها من جهله وانحباسه بالحسِّ، إلى السلبِ والفناء، والانجذابِ في الحقيقة المطلقة، ثم عاد فيها إلى الصحو والمعرفة والنطق بكل عزيز.
عاد ليخاطب المشغولين بالظلال، الغافلين عن إشراق الشمس قائلاً لهم:





رأيتُ خيال الظلِّ أكبرَعبرةٍشخوصٌ وأشباحٌ تمرُّ وتنقضيتجيء وتمضي تارةًبعد تارةٍ





لمن هو في علم الحقيقة راقيسريعًاوأشكالاً بغير وفاقوتفنى جميعًا والمحرِّكُ باقي[37]





كأنه يقول لهم في هذا المثال: دعوا التعلق بالمخلوقات فإنها كالخيالات والظلال، وتعلقوا بالحقِّ الباقي، فإنه وحده الذي يدوم، فيدوم لكم به العزُّ وتبقى لكم به وحده الكرامة.
وبعدها ترى السهروردي يخاطب جمال الحقِّ الباقي في دلالٍ وتيهٍ به قائلاً:





يا مليحًا قد تجلّىقلتُ لما لاحيُجلىهكذا العيشُ وإلا





فيه أهلُ الحيِّ هامواوانجلى عنيالظلامُ:فعلى العيش السلامُ[38]





هكذا يكون العيش عند السهروردي بمحبوبه كريمًا، وإذا كان تجلي محبوبه يقتضي مغادرته الدنيا على أيدي بني جلدته فإنه سيبقى يخاطبه ويقول له:





فإلى لقاكم نفسُهُ مرتاحةٌ





وإلى رضاكُمْ طرفُهُ طَمَّاحُ[39]





وكان آخرُ كلامه مع الناس معبّرًا عن كمال حاله وعموم رحمته، فقد خرج عن أيِّ بقيةٍ من الأنا، ووجد نفسه متحولةً من وصفِها الفرديِّ إلى وصفِها الأُمِّيّ، لأن الأمَّة سكنت فيها، وسكنت هي بصفائها كلَّ القلوب الصفائية في الأمة.
قال تعالى في حقِّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام:{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120]، وقال الصحابي ابن مسعود في حق الصحابي معاذِ بن جبل: إن معاذًا كان أمّة[40]..
ومن هذا المقام الذي توهمه بعض الأنانيين حلولاً واتحادًا، توجَّه السُهروردي إلى الناس، فقالَ وهو يخاطب جمعهم:





ما أرى نفسيَ إلا أنتمُفمتى ماكان خيرًا فَلَنَا





واعتقادي أنَّكم أنتمْ أناومتى ماكان شرًّا فَبِنَا[41]





رحم الله السُهروردي، ورحم الإمام الأيوبيّ الذي اجتهدت بطانَتُه فيه فأخطأت فحكم بخطئها، ولولا خطأ المجتهدين ما تميزت بالعصمة رتبة الأنبياء.

أعلى الصفحة