الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Symposia الندوات
 
التعاون السلوكي مع الآخر لا يمنع ثبات عقيدتنا
في الفكر والدعوة - الملتقى الفكري: (المشترك في الرسالات الإلهية وتفعيله)
سوريا/دمشق
2006-11-15
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني  
تحدثنا مرارًا وتكرارًا عن سماحة الإسلام وتسامحه، وكنا نقف غالبًا وفي بواطننا شعورٌ خفيٌّ أننا في موقف المتَّهم الذي عليه تبرئةُ نفسه من التهمة، لأن الغرب بسياساته المتطرفة جعل الإسلام والمسلمين متَّهمًا في كل الأحوال حتى يثبت العكس، وتواطأ الإعلام في العالم على تكريس هذه التهمة، ووقفت الأنظمة السياسية في أكثر البلاد العربية والإسلامية الموقف نفسه.
لكننا اليوم وبعد تكرار الفضائح والفظائع التي تمارسها أيدٍ غربيةٌ، وتكشف الأخبار عنها كلَّ يوم، بدأنا نرى أصابع الاتهام من عامة الناس في الشارع الإسلاميِّ تتوجَّه إلى معتنقي المسيحية وأتباع اليهودية ورؤوس المادية العلمانية الحاكمة، لتضع الجميع معًا في قفص الاتهام من غير استثناء ..
بدأت العامة في عالمنا الإسلامي تضع معتنقي المسيحية من غير تمييز في الصف المسؤول عن الممارسات العالمية الظالمة.
وصار معتنقو المسيحية يقفون أيضًا موقف الذي يدفع عن نفسه التُّهَم كما كنا نقف.
وساعد على تكوين تلك الصورة، التي تُطلِقُ التهمةَ من غير تمييزٍ في أذهان العامة، ما مارسه بعضُ المتطرفين من المسيحية الأرثوذكس على المسلمين، في البوسنة والهرسك وصيربيا والشيشان، وما خطَّطَ له بعضُ معتنقي المسيحية البروتستانتية من اليمين المتطرِّف والمحافظين الجدُد، وما نفّذوه من الجرائم الإنسانية في أفغانستان والعراق، وما قدَّموه من الدعم الذي لا بصر فيه ولا بصيرة إلى حركة العنصريين الصهاينة، واستعمال الفيتو المتكرر لدعم البغي والعدوان.
ووصلت وقاحةُ الرئيس بوش إلى وصفِ إسلامٍ سماه الإسلامَ الفاشستي.
وساعد على تكوين تلك الصورة أيضًا تكرارُ الإساءات العلنية القميئة في دول أوربا، إلى الإسلامِ وشَخْصِ الرسول صلى الله عليه وسلم، تكرارًا لا تفسير له إلا الحقد والبغضاء والتعبير عن الجهل والرعونة النفسية.
وأضاف إلى الطين الماءَ خروجُ البابا بيندكت بموقفٍ مسيءٍ إلى الإسلام والرسولِ الكريم، واتهامٍ للمسلمين بسوء الفهم لما يقوله.
فتجمعت كلُّ هذه الممارسات في ذاكرة الشارع الإسلامي، لتتحول إلى بغضٍ شديد وحذرٍ وتوجُّسٍ من كل ما هو مسيحيٌّ في العالم.
إنني لا أتحدث بلسانِ عقلي وقلبي، لكنني أتحدث معبِّرًا عن نبض الشارع الإسلامي بكل صراحة ووضوح، من غير مجاملاتٍ وكلماتٍ معسولة تجعل السامع مستغرقًا في حلاوتها بعيدًا عن الواقع المحسوس.
إنني أعلم علم اليقين، أن في العالم كثيرًا من عقلاء المسيحية الذين يفهمون ما يحصل في العالم من الألاعيب السياسية، وزئبقيات المصالح التي تتستر خلف شعارات الدين، وهو أمرٌ متكرِّرٌ في كل زمان.
فبالأمس تستَّر الجهلُ والعنصرية الطائفية خلف شعارات الدين في محاكم التفتيش في إسبانيا والحروب الصليبية، واليوم يتستَّر بالمسيحية كثيرٌ من أصحاب المصالح المادية، الذين يخططون لسرقة العالم وتخريبه وهم قابعون خلف الأقنعة الدينية والشعارات البراقة.
ولن يعفي معتنقي المسيحية من المسؤولية تعلُّلُهم بما يصدر عن جهلة المسلمين من ردود الأفعال القبيحة غير الإنسانية، فواقع الجهل قد كرَّسته بالأصل ممارساتٌ غربية متراكمة في هذا العالم الإسلامي، وكانت كل المحاولات للنهضة تحاصر في العالم الإسلامي بكل الوسائل وبشتى الطرق.
وتحولت أموال دافعي الضرائب في الغرب إلى دعم الحرب على ما يسمى بالإرهاب، مع أنَّ تلك الأموال تستطيع إلغاء الجهل والتطرُّف بالإعانة على التعلم والنهضة الحضارية، ولا يتصور من حضاريٍّ عالمٍ صدور فعلٍ يؤذي الإنسانية.
أموال دافعي الضرائب في الغرب تستطيع تطوير العالم الإسلامي، الذي أصبح جميعُ عقلائه على قناعة تامَّة بأنَّ نشر النور لا يكون إلا بالتبادل الثقافيِّ الحواريِّ، لا بالنـزاع المسلَّح العنصريِّ.
وتطوير هذا العالم الإسلامي ومساعدته في النهوض من واقع الجهل هو أفضل طريقة لمحو العنف من العقول والقلوب.
كما أنه قد آن الأوان ليعلن عقلاء المسيحية معارضتهم لظلم ساستهم العالمي، من خلال صناديق الاقتراع، وليبينوا موقفهم من كل المظلومين.
القاعدة التي نرفعها في العالم: (لا إكراه في الدين)، وإن اعتقاد أيِّ فرد في العالم بأي دين لا ينقله عندنا إلى قفص الاتهام بسبب اعتقاده ذاك.
لكنَّ بريطانيا المتطورة تنقل من يخالفها من المسلمين إلى قفص الاتهام، وتنظر اليوم - مع الأسف - إلى كلِّ بريطانيٍّ يدخل في الإسلام، أو ينحدر من أصول إسلامية نظرة شك وريبة!
وتعتدي فرنسا الحرية والمساواة على حجاب المسلمات، بحجج شتى!
وتستثمر ردود الأفعال الجاهلة في العالم الإسلامي لصالح المصالح الغربية ولممارسة مزيدٍ من التطرُّف.
إنني أدعو إلى الصراحة والوضوح أولاً، وإلى التعاون الجادِّ ثانيًا، وأقول:
لن يكون معضلةً ولا مفرِّقًا بيننا اعتقادُ كُلٍّ منا أنَّ الآخر هو على الضلالة والكفر، إذا كان مع هذا الاعتقادِ مصاهرةٌ أُسَرِيَّةٌ وشركة تجارية وصناعية وزراعية، وشراكة سياسية في الحكومة والدولة.
لسنا بحاجة إلى تنازلاتٍ عن ثوابتنا العقدية لنلتقي في الحوار، لكننا بحاجة إلى تعاونٍ عمليٍّ سلوكيٍّ مشترك، ولو كان كلٌّ منا يعتقد كفرَ الآخر.
وإن إطلاق اسم التكفيريين على بعض خوارج العصر الذين لا يفهمون معنى الدعوة ولا يعرفون إلى الحكمة طريقًا، هو نوعٌ من الاعتداء على الثوابت.
لقد كفَّر القرآن مخالفيه، لكنه لم يتبنَّ إيذاءهم، ولم يأمر بالاعتداء عليهم، بل أمر بالإحسان إليهم طالما أنهم لا يحاربون الإنسان في دينه أو وطنه.
والكفر ستر الحقيقة، فإذا اعتقد الإنسان أنَّ مخالفه ساترٌ للحقيقة فهو بنظره كافرٌ، لكنه أمر عقديٌّ لا يؤثر على السلوك الإنساني، بل يحفظ العقيدة ويحدد معالمها.
وبعد هذا، بالله عليكم هل يضيرنا أن يعتقد اليهودُ بكفرنا مع ابتعادهم عن البغي والعدوان علينا وعلى أرضنا؟
و هل يضيرنا أن يعتقد المتصهينون من أتباع المسيحية بكفرنا مع ابتعادهم عن الهيمنة والتسلط علينا؟
علينا جميعًا أن نقف مع بعضنا موقفًا صادقًا لا يكون خلفه وجوه أخرى باطنة تحمل المعنى المعاكس والاتجاه المخالف.
نتعاون في السلوك الإنساني إن كنا حضاريين، ولو اعتقد بعضنا بكفر الآخر، ورأى بعده عن الحقائق الغيبية التي يتبناها هو.
وثقوا أنَّ المبادئ حينما تتفوق على المصالح سنتفق جميعًا، وحينما تتفوق المصالح على المبادئ ستتحول المبادئ إلى أقنعة مزيفةٍ لتلك المصالح والمقاصد الدنيئة القبيحة.
وحين تنتشر هذه الثقافة في الغرب سوف تتغير الحكومات المسيئة، وتنتشر في الأرض العدالة والمساواة بين جنس الإنسان كلِّ الإنسان.
أعلى الصفحة