الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Symposia الندوات
 
النحل في القرآن والسنة وتراث العرب
في الرقائق-مهرجان ( أيام خان الحرير )
سوريا/حلب
2003-08-21
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني  
النحل عالم كريم فيه ما فيه من آيات صنع الله المتقن ، وفيه ما فيه من لطائف الأوصاف وكرائم المعاني .
وقد سمى الله تعالى سورة في كتابه المنير باسم النحل .
وذكره صريحاً بقوله تعالى :
وأوحى ربك إلى النحل (69)النحل
والنحل محترم في سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل النحل(1).
وفي رواية نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: (وذكر منها) النحلة (2)
ووصف صلى الله عليه وسلم النحلة بالأوصاف الحميدة ومثل المؤمن بها لأنها :
لا تأكل إلا طيبا – وهكذا المؤمن لا يدخل إلى قلبه إلا ما كان طيباً - ولا تضع إلا طيبا (3)- وهكذا المؤمن لا يخرج إلى العالم منه إلا المفيد - وإن وقعت على عود نخر لم تكسره(4)- وهكذا المؤمن إذا رأى الفاسدين من الناس لم يكن من مقاصده إهلاكهم لأنه يأخذ النافع منهم ويذر الفاسد ويرغب في صلاحهم .
ومثل النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنه الكريم بلالاً بالنحلة ، قال صلى الله عليه وسلم :
مثل بلال المؤذن كمثل نحلة غدت تأكل من الحلو والمر ثم يمسي حلوا كله(5).
ومثَّل الكريم البطل الهمام سيدنا علياً بأمير النحل ( اليعسوب ) بقوله صلى الله عليه وسلم :
"عَليٌّ يَعْسُوبُ المُوْمِنِينَ" (6).
ومثل صلى الله عليه وسلم خروج الأرواح يوم القيامة بالنحل فقال :
يأمر الله إسرافيل فيقول له انفخ نفخة البعث وينفخ نفخة البعث فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض فيقول الجبار وعزتي وجلالي ليرجعن كل روح إلى جسده فتدخل الأرواح في الأرض على الأجساد(7) .
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من عذاب أهل النار يوم القيامة تعذيبَهم بالحشرات ، وأن الله سبحانه وتعالى كرَّم النحل وحده فلم يجعل منه عذاباً ، فكأنه نفع خالص لا يصلح للتعذيب .
قال صلى الله عليه وسلم :
( الذبان كلها في النار يجعلها عذابا لأهل النار إلا النحل ).(8)
ووصف عمر بن الخطاب رضي الله عنه النحل بأنه ذباب غيثٍ (9).
قال في لسان العرب : وأَضافه إِلـى الغَيْثِ، لأَنه يَطْلُبُ النباتَ والأَزهارَ، وهما من تَوابع الغَيْثِ (10).
وفي رواية قال عمر رضي الله عنه :
إنما النحل ذباب غيث يسوقه الله عز وجل رزقاً إلى من يشاء (11) .
وذكر ابن منظور في لسان العرب بعضاً من أخلاق النحل منها :
حِذْقه وفِطْنته ومنفعتُه وقُنوعه وسعيُه في الليل وتنزُّهه عن الأَقذار وطيبُ أَكله وأَنه لا يأْكل من كسب غيره وطاعتُه لأَمِيره (12).
ومن أخلاق النحل طاعته للإنسان المعتني به :
قال قتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم فاسلكي سبل ربك ذللا أي مطيعة .. ألا ترى أنهم ينقلون النحل ببيوته من بلد إلى بلد وهو يصحبهم (13).
ومن أخلاقه أيضاً عمله بعيداً عن أنظار الخلق :
فقد ذكر الغزنوي أن أرسطاطاليس صنع بيتا من زجاج لينظر إلى كيفية ما تصنع ، فأبت أن تعمل حتى لطخت باطن الزجاج بالطين (14).
والنحل من جنود الله تعالى :
فقد حمى الصحابيَّ الجليل عاصم بن ثابت بن أَبـي الأَفلـح الأَنصاري وقد كان دعا الله تعالى أن يمنع جسده من المشركين فلما أُصيب يوم الرجيع منعت ذكور النـحلُ الكفار أن يجزوا رأسه (15) ، فكانت تلسع من يقترب منه ، حتـى أَخذه الـمسلـمون فدفنوه ، وسمي حَمِيَّ الدَّبْرِ (16).
أما أصوات النحل فقد كانت تشبَّهُ بها أكرم الأمور وأعلاها :
1 - منها صوت نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الحديث :
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ سُمِعَ عِنْدَ وَجْهِهِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ (17)
2- ومنها صوت الحصيات اللاتي سبحن في يد النبي صلى الله عليه وسلم :
فقد روى أبو ذر أنه تبع النبي صلى الله عليه وسلم يوماً في موضع فجلس عنده فقال : يا أبا ذر ما جاء بك قال قلت الله ورسوله قال فجاء أبو بكر وجلس عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ما جاء بك يا أبا بكر قال الله ورسوله قال فجاء عمر .. فقال يا عمر ما جاء بك قال الله ورسوله ثم جاء عثمان .. فقال يا عثمان ما جاء بك قال الله ورسوله قال فتناول النبي صلى الله عليه وسلم سبع حصيات أو تسع حصيات فسبحن في يده .
قال أبو ذر : ( حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل ) ثم وضعهن فخرسن قال : ثم وضعهن في يد أبي بكر فسبحن في يده حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل ثم وضعهن فخرسن ثم تناولهن فوضعهن في يد عثمان فسبحن في يده حتى سمعت لهن حنينا كحنين النحل ثم وضعهن فخرسن(18).
3 – ومنها ما كان يسمع في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة قراءة القرآن ، وما كان يسمع في بيوت أصحابه رضي الله عنهم :
روى ابن عباس وعائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مرة المسجد فإذا أصوات كدوي النحل من قراءة القرآن .... (19).
ومما حدث به كعب من أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم وأوصاف أمته في التوراة :
قال : نجده مكتوبا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر وأمته الحمادون يكبرون الله عز وجل على كل نجد ويحمدونه في كل منزلة ويتأزرون على أنصافهم ويتوضؤن على أطرافهم مناديهم ينادي في جو السماء صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء لهم بالليل دوي كدوي النحل ومولده بمكة ومهاجره بطيبة وملكه بالشام (20) .
وفي رواية :
دويهم في مساجدهم كدوي النحل (21) .
وفي رواية :
لهم دوي كدوي النحل في جو السماء بالسحر(22) .
وفي رواية :
وأصواتهم بالليل في جو السماء كأصوات النحل (23).
ولما فتحت فارس كتب سعد إلى عمر يخبره بالفتح وفيه :
«أما بعد فإن الله نصرنا على أهل فارس ... وأصيب من المسلمين ...فلان وفلان، ورجال من المسلمين لا يعلمهم إلا الله، فإنه بهم عالم كانوا يدوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل كدوي النحل، وهم آساد في النهار لا تشبههم الأسود.. (24).
وكان الصحابي عبد الله بن مسعود إذا هدأت العيون سمع له دوي كدوي النحل حتى يصبح (25).
وكان لزبيدة امرأة الرشيد – كما يذكر ابن خلكان- مائة جارية كلهن يحفظن القرآن العظيم، ..، وكان يسمع لهنَّ في القصر دوي كدوي النحل، وكان ورد كل واحدة عشر القرآن(26).
4- ومنها ما سمع من صوت السحابة – كما يذكر ابن كثير - في جنازة ابن قدامة :
فحين مات الشيخ الصالح بن قدامة أبو عمر المقدسي لم يبق أحد من الأمراء والعلماء والقضاة وغيرهم إلا حضر جنازته، وكان يوماً مشهوداً، وكان الحر شديداً فأظلت الناس سحابة من الحر، وكان يسمع منها كدوي النحل (27).
5 – ومنها أن ذكر الإنسان لربه له صوت يسمع حَوْلَ الْعَرْشِ كصوت النحل :
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :
( إِنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلاَلِ اللهِ ، التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ. يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ. لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ. تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا. أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ، مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ؟) (28).
وقَالَ صلى الله عليه وسلم :
كما لا تلتقي الشفتان على قول لا إله إلا الله ، كذلك لا تَحجُبُ عن سماء سماءٌ حتى ينتهي إلى العرش لها دوي كدوي النحل تشفع لصاحبها (29).
6- ومنها صوت القرآن حين يرتفع عن الأرض آخر الزمان كصوت النحل:
قَالَ صلى الله عليه وسلم :
لا تقوم الساعة حتى يرجع القرآن من حيث جاء فيكون له دوي حول العرش كدوي النحل فيقول الرب عز وجل: ما لك؟ فيقول: منك خرجت وإليك أعود، أتلى فلا يعمل بي، فعند ذلك يرفع القرآن. (30)
خاتمة :
من طرائف العرب وبلاغتهم :
قال الحجَّاج لبعض من ولاه أَصبهان:
قد وَلَّيْتُك بلدة حَجَرُها الكُحْلُ وذُبابها النحلُ وحشيشها الزعفران (31).
وقال الفرزدق:
إِذا هُنَّ ساقَطْنَ الحَديثَ، كأَنَّه جَنى النَّحْلِ أَو أَبْكارُ كَرْمٍ تُقَطَّف
وقال المتنبي (32).
تريدينَ لقيانَ المعالي رخيصةً ولا بدَّ دونَ الشهدِ من إِبرِ النحلِ
وقال ابن الخَلِّ البغدادي (33)
في زخرفِ القولِ تزينٌ لباطلهِ * والحقُ قد يعتريه سوءُ تعبيرِ
تقولُ هذا مُجاجُ النحلِ تمدَحُهُ * وإِن ذمَمْتَ فقُلْ قيءُ الزنابيرِ .
أعلى الصفحة