الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Masjed Lessons دروس مسجدية
 
21- أسباب زيادة الإيمان - ج1
العقيدة
جامع الإمام أبي حنيفة
22/12/2006
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، اللهمَّ صلِّ على سيِّدِنا محمَّدٍ عبدِك ورسولِك النبيِّ الأمِّيِّ وعلى آله وصحبه وسلِّم.
تقدم الكلام على قيمة المعرفة وحاجتنا كأمة إسلامية إليها، وذكرنا أن المعرفة حتى تؤثر في الواقع لا بد أن يتبعها إيمان.
ولذلك لا بد من الحديث عن سبب زيادة الإيمان فلا يكفي أن نعرف، قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:14]
والحديث عن زيادة الإيمان وأسبابها حديث طويل لكن أول ما ينبغي أن نتحدث عنه إنما هو إخراجنا من حالة التقليد التي نعيشها، والتي جعلتنا نطمع و نتجه إلى زيادة المحسوس العاجل، مع أننا في أسوأ أحوالنا، ونعيش حالة مهينة، ونحتاج إلى العلم والنهضة والحضارة والأخلاق...
حاجاتنا المادية والمعنوية كبيرة.. لكننا نصر على أن نبقى في هذا الروتين الذي هو ما نحن عليه، ولا نريد أن نغير ما نحن عليه، ونحب السكون، فكل حركة تؤدي إلى اهتزاز في هذا الروتين تسبب لنا إزعاجًا، فنحن نحتاج بدلاً من هذا الاستقرار على وضع مهين ومُزرٍ، إلى تفكّر قليل، لأنه ولو كان قليلاً يُخرج الإنسان إلى مراقبة صادقة لمِا هو عليه.
لكن هناك أزمة تفكّر، فنحن بعيدون عن أي نوع من أنواع التفكّر، إلا في دائرة صغيرة تحيط بنا وتُحقق لنا شخصانيتنا (ما به تظهر مُتعُنا العاجلة)، وإذا ما عدنا إلى القرآن الكريم نجد أن سيدنا إبراهيم عليه السلام جاء إلى بيئة تريد الاستقرار على الروتين والتقليد ولا تريد أن تغير شيئًا مما هي عليه حتى لو كان ضلالاً، أو سفهًا، أو انحدارًا، أو انحطاطًا... {وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 51] أي أرسلنا من نعلم استعداده إلى هؤلاء، {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيم} [الأنعام: 83].
وقيل:
إذا كنت في حاجة مرسلاً............فأرسل حكيمًا ولا توصه

{وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ، إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ} [الأنبياء: 51-52]
فهنا يدخل سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ذو الرشد إلى هذه البيئة التي ليس فيها أي نسبة للمنطق، أو للتوازن...
{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}
سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام رأى تماثيل حجرية ونحن اليوم نرى تماثيل والناس لها عاكفون، لكن من الناس مَن تماثيلهم أشخاص، ومنهم شهوات، ومنهم سُمعة وشهرة، ومنهم مآرب ومقاصد، وأنواع التماثيل لا تنتهي.
قال الشيخ عبد الغني النابلسي رحمة الله عليه (وهو من أهل المعرفة):
لمتى تبني كُنيسات الهوى .......... كسِّر الأصنام واهجر بِيَعَك

أنت داخل قلبك كنيسات للعبادة.
إذًا هذه الأصنام ليست بالضرورة أن تكون تماثيل حجرية، فالله سبحانه وتعالى يقول: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43] إذًا الهوى صنم، وكل مقصود وكل معبود يتوجَّه القلب إليه فهو صنمه، وكل واحد له صنمه.
وهذا المثال لنعيده إلى واقعنا.
{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ، قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 52-53]
فنحن نريد الاستقرار على ما كان عليه آباؤنا، ولا نريد تغييرًا، سواءٌ أكان آباؤنا على استقامة أم على انحراف... {قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ، قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنبياء: 53-54].
أي أن هذا الواقع أنتم وآباؤكم فيه مجانبون للصواب.
{قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاعِبِينَ} [الأنبياء:55].
هل أنت توجِّه هذا الكلام لكل الواقع ولواقع من كانوا قبلنا؟
أي أنك شخص واحد وهؤلاء بلغة الديمقراطية أغلبية،كل الأغلبية أصرت بالتصويت أنها تريد الأصنام، وليست هذه الديمقراطية والأغلبية ديمقراطية عصرنا، بل هي ديمقراطية متوارثة،تُحقق مجدًا تليدًا، فنحن وآباؤنا صوتنا للأصنام.
هل تعقل ما تقول، كأن يذهب أحد ما إلى أمريكا ويقول لهم النظام الفدرالي سيء، يقولون له هل أنت تمزح؟ هل أنت تعلم ما تقول؟
{قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [الأنبياء: 56]
أي هذا التوجيه الذي أحمله أستمده من ربّ السماوات.
{وَتَاللَّهِ لاكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ، فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ، قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 58-59]
هنا الأغلبية تريد الانتصار لباطلها.
{قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: 60]
لأنه هو الذي قال: لأكيدن أصنامكم، لا يوجد أحد غيره.
{قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} [الأنبياء: 61]
اجعلوا المحاكمة علنية ويشهدها كل الناس.
{قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يا إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: 62]
سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يقصد بهذا التحطيم إزالة المنكر، كما يتوهم البعض، فبعض الناس يجرون مقارنة، يقولون النبي عليه الصلاة والسلام بقي في مكة يطوف حول الكعبة والأصنام موجودة، وأما سيدنا إبراهيم فحطّم الأصنام .
هل هذا يعني أن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أكثر شجاعة من النبي عليه الصلاة والسلام، أو أن سيدنا رسول الله أكثر حلمًا من سيدنا إبراهيم الذي وصفه الله بقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ} [هود:75] ألم يكن سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يتسع صدره بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى يهتدوا ويكسِّروا أصنامهم.. هذه مقارنة سخيفة جدًا، و الذي يقارن بين سيدنا رسول الله وسيدنا إبراهيم لا يفهم أن سيدنا إبراهيم هو كأنه سيدنا رسول الله، وسيدنا رسول الله كأنه سيدنا إبراهيم، ونحن في كل صلاة نقول: (اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم) وأبو الأنبياء هو سيدنا إبراهيم، وأشبه الناس خَلقًا وخُلقًا بسيدنا محمد هو سيدنا إبراهيم، وعندما رآه في المعراج ووصفه لأصحابه قال: (هو أشبه الناس بصاحبكم)، إذًا ما القضية؟ رسول الله يطوف حول الكعبة ويرى الأصنام لكنه لم يحطمها، وسيدنا إبراهيم حطَّمها،
خلاصة القضية أنه يريد أن يخرجهم من الذي اعتادوا عليه حتى يتفكروا.
الذي كان يريده سيدنا إبراهيم إخراج الناس من مُعتادهم ومألوفاتهم ليقفوا ولو للحظة مع التفكير.
لذلك قالوا: {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يا إِبْرَاهِيم} هنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي كان أمَّة تكلم بلسان الأمة، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120]، تكلم بلسان حالهم أنه يشعر بآلام الأمة، يشعر بهموم الأمة، نحن بحاجة إلى هذا النموذج اليوم، مَن منّا يشعر بالأمة، لماذا فقد الأمة؟ الرجل الأمة فقد لأن الذي يهتم بالأمة أصبح قليل، أما الذي يهتم بشأنه الخاص فما أكثره، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} أي أنه عندما يفكر يفكر بالأمة، لذلك نجد في دعاء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه لم يدع لنفسه فقط بل دعا لذريته {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بواد} [إبراهيم: 37] ودعا دعاء عام وقال: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} [إبراهيم: 41] وقال: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36]
إذًا كان يفكر بالعموم، فقد تحدث بلسانهم قال: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63]
أنتم تحكون من خلال عقائدكم وما ورثتموه عن آبائكم أن هذه الأصنام تفعل وكل ما كبر الصنم كان تأثيره أقوى، وكلما كانت الألوان التي زُخرف بها والحلي التي وضعت عليه أكبر وأثمن يؤثر أكثر، فجاء سيدنا إبراهيم فتكلم بلغة المعتاد، بعد أن حطَّم الروتين المعتاد المألوف.
{قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ، فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} [الأنبياء: 63-64]،
الآن بدؤوا يفكروا، نحن نعتقد بهذا الكلام من مئتي أو ثلاثمائة..سنة، و نقول أنّ الأكبر مهيمن على الأصغر، وإبراهيم يتحدث بنفس اللغة التي نتحدث بها، نفس اللغة، وهو يقول الكبير هو الذي حطم الأصنام الصغيرة، لو كان سيدنا إبراهيم يريد إزالة المنكر أول ما يبدأ بماذا؟ بالكبير. لكنه أجّله حتى يكون الأمر نوع من المحاججة، وكما يقول أهل العلم: (من فمك أدينك).
{فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ}
متى فكروا؟ عندما انكسر المعتاد والمألوف، الروتين، عندما وقفوا دقيقة للتفكر.
{ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ}
ثم عطّلوا التفكير.
{ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ، قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ} [الأنبياء: 65-66]
هذا الذي أنتظره، ، أن تقولوا هذه أصنام حجرية لا تتلكم لا تنفع لا تضر.. إذًا ما الذي نأخذه من هذه القصة القرآنية التي نقرأها كثيرًا في القرآن الكريم؟
الذي نأخذه هو أننا بحاجة إلى لحظة، صدمه ،يجوز أن تأتي سماوية، كأن يصاب الإنسان بشيء يوقظه، ربما تكون فردية، أو جماعية، أو اختيارية، وهذا ما نطمع فيه، يجب أن لا ننتظر الصدمة حتى تخرجنا، نحتاج إلى شيء من التفكر، فهذا هو أول مفتاح يمكن أن يفتح لنا باب المعرفة والإيمان ويساعدنا في الخروج عن المألوفات، ولكن هل تجد نفسك قادرًا على كسر روتين حياتك لمدة ثلاثة أيام .
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هداه الله قبل البعثة لأن يكسر روتين حياته، فيصعد على جبل النور، ويجلس في غار حراء، لم يكن أحد يفعل هذا، هذا كسر روتين، أنت لو قلت لنفسك سوف أفرّغ يومين أو ثلاثة لأجلس فقط من أجل إعادة الحساب، أريد أن أجلس لأقرأ سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أجعل من هذه القراءة قراءة تفكّرية، أريد أن أقرأ سورة في القرآن، لكن بهدوء، لماذا؟ لأن الروتين الذي عندي أن أخرج في الصباح إلى المعمل، وأرجع إلى المتجر، وأذهب إلى الصيدلية وأجلب الدواء،.. وفي المساء أشاهد الأخبار، ثم مسلسل، وبعدها أنام، وروتين يتكرر ويتكرر، فمتى ستفكر فيما أنت فيه، فيما الأمة عليه؟
إذًا لابد من كسر هذا الروتين.
وكسر هذا الروتين يكون بإجازة.
إذا قال أحدهم أنا رجل أعمال وأحتاج لإعادة النظر في القضايا، ويجب أن أعيد مرجعة الدفاتر ومراقبة الخطة الإدارية، .. و لا أريد أن يدخل عليّ أحد سيقولون حاضر، وإذا قال... يقولون حاضر...وأما إذا قال أريد أن أجلس ثلاثة أيام أقرأ السيرة أجلس متفكرًا أذكر الله أصلي صلواتي في وقتها ثم أجلس وأقول يا ترى هل أنا على صواب؟ أين أنا من سيدنا رسول الله، المعيار الأعظم، الميزان الأكبر، أين أنا من القرآن.. أين أمتي؟ يقولون ماذا تفعل!!
إذًا هذا كسر الروتين حتى يتأمل، يتفكر قليلاً، هذا التفكير المؤقت.
لو قلنا له سيدنا النبي اعتكف شهر بجبل النور تعال واعتكف شهر وقتها لا يستطيع أن يتحمل!!
لاحظوا كيف الإنسان محاصر بالمألوف، والمعتاد، وصنم العادات....يجب أن لا يتغير شيء أبدًا.. لأنه إذا تغير مصيبة... الصنم اهتز...!!
لذلك بعد البحث الذي تقدم فيما مضى ما هو البيت الذي قاله؟
قال:
فأنْظُرْ إلى نَفْسِكَ ثُمَّ انْتَقِل ..........لِلعَالَمِ العُلْوِيِّ ثمَّ السُّفْلِ
تَجِدْ بِهِ صُنْعَا بدِيْعَ الحِكَمِ

أي أنت بحاجة في هذا التفكّر إلى النظر في صنعة الله، لأن النظر في صنعة الله في إبداعها و إتقانها و حكمتها و توظيفها، لابد أنه سيشكِّل لك منعطفًا، كما قال لابد أن تنظر في محاور ثلاثة:
المحور الأول: فكر في الإنسان.
الثاني: فكر في العالم العلوي.
ما هو فوقك، هناك مجموعة شمسية، وكواكب ونجوم ونظام كوني وغلاف جوي، وإلى آخر ما هنالك، ما هو محيط بك.
ثم السفلي ما هو على الأرض من شجر، جيولوجيا، جاذبية أرضية أنهار، مياه بيئة...
أما تجد في هذه المحاور الثلاثة ميزانًا، أما تجد وأنت تغوص في النظر فيما هو أقرب الأشياء إليك. شدة القرب حجاب، الإمام الغزالي قال للزمخشري لما سأله ما معنى الرحمن على العرش استوى؟
قال له:
أنت أكل الخبز لا تعــــــــــــــــــــــرفه .........كيف يجري منك أم كيف تبول
كيف تدري من على العرش اسـتوى ........كيف كان الاستوا كيف النــــــزول

فأنت تأكل لكن هذا الأكل أين ذهب، من أنت، هذه اليد التي تمسك وتعمل فيها، أنت قبل أن تفكر بالشمس والمجموعة الشمسية، وتفكر بهذه الأشياء فكر في نفسك.
المولى سبحانه قال: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ} [فصلت:53]
وقال: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21]
أنت عالم، سيدنا علي قال:
وتحسب أنك جرم صغير ............. وفيك انطوى العالم الأكبر

فأنت فيك السماوات والأرض والحجر والجبال، وفيك الملك والملكوت.
إذا قمنا باستعراض محطات في إطار "فانظر إلى نفسك"،أي أنت أيها الإنسان قبل أن نتحدث عن عواطفك ومشاعرك وما جبلت عليه، وأسلوب التفكير وكذا... أنت تحب المحسوس كثيرًا، يجلس أحدهم و يقول: الفيلا التي سأبنيها أرى أن أضع الأقواس رومانية، كما أن المرمر الإيطالي أحسن بكثير من التركي. والتكييف يجب أن يكون مركزي... وهكذا يقضي وقته ونومه ويصحو في الصباح ويقول وجدت خطة ثانية، هناك تعديل، إذًا هو في نومه ونهاره وصباحه ومسائه في المحسوس..
بما أنك تحب المحسوس فبدل أن تفكر بالحجار بشكل دائم.. تعال حتى نفكر فيك أنت، جسمك بدنك، أنت تمشي وتذهب، ألا يجب أن تفكر في هذا الكون الذي هو أنت!
إذا سألنا أحدهم إذا أردت إنشاء بناء ما هو أول شيء تقوم به عند التنفيذ، يقول نقوم بوضع قالب، هذا الهيكل الذي مبني الإنسان عليه ما هو، ما هو اسمه في الإنسان، في البدن، قبل أن نتحدث عن خلايا الإنسان وقلب الإنسان وكبد الإنسان، والجهاز التنفسي للإنسان، ما هو هذا القالب؟
إنه الهيكل العظمي.
وإذا أردنا أن نفكر بهذا الهيكل العظمي الذي عليه وجدت هذه الجملة الإنسانية.
سبحان الله..
أولاً: هذا القالب الذي خلقه ربنا سبحانه وتعالى ، هذا من خلق الله، نحن الآن دخلنا إلى صنعة الله، تعالوا حتى نفكر قليلاً قليلاً، صنعة الله، هذا القالب الذي به قوام الإنسان، أصبح الإنسان يمشي على رجليه، أي الفرق بين الحيوانات التي تمشي على أربع والزواحف..ما الذي جعل شكل الإنسان هكذا ، الهيكل العظمي.
إذًا الله سبحانه وتعالى لما سوّى الإنسان: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ} [المؤمنون:14] ما الذي ضمن شكلك. تمشي على رجلين؟ الهيكل العظمي هذا، شكلك الذي بُني عليه كل هذا الجسم هو هذا الهيكل العظمي، إذًا هذا التركيب الذي ركَّبه الله سبحانه وتعالى هو الذي أعطاه الشكل والقوام.
ثانيًا: كل الأعضاء المهمة من الذي يحميها؟ هذ الهيكل العظمي.
هكذا جعل الله سبحانه وتعالى هذا الهيكل العظمي، الجمجمة تحمي الدماغ، النخاع الشوكي أين موجود؟ في العمود الفقري، أي إذا أصيب هذا النخاع ينشل، أي لا يقدر أن يمشي، فجعل الله له حماية شديدة..
لو كان النخاع الشوكي محل الكبد، أو محل الأمعاء لكان يأتي أحد ما وبضربة صغيرة ينشل، لكن الله سبحانه جعل هذا النخاع الشوكي المهم جدًا جدًا.. جعله داخل العمود الفقري محصن تحصين شديد، وجعل الله سبحانه هذا الدماغ الذي فيه المخ والمخيخ المسؤول عن التوازن، ، متناسق محمي داخل الجمجمة.. وأكثر من ذلك جعل داخل العظام مصنع للدم، أنت يا إنسان داخل عظامك في كل ثانية ملايين الكريات الحمراء يصنعها الله فيك، أنت تذهب حتى تصنع أكلة ما تقيم ورشة كبيرة عريضة من أجل أكلة صغيرة، الحق سبحانه في كل ثانية داخل هذه العظام يصنع في جسمك ملايين الكريات الحمراء، هذا الذي تراه أمامك مصنع كامل أنت تقول هذا يذكرني بالموت، لا.. هذا يجب أن يذكرك بالحياة، لأنه الحياة كلها .
فهذا الذي به حمى الله الأجزاء العصببية، وبه حمى الله سبحانه وتعالى أهم ما تحتاج إليه من توازن، من تفكير، وبه كان مصنع الدم الذي تحتاج إليه.. عندما يذهب أحدنا ويتبرع بالدم..نسأله لماذا؟ يقول لأن ربنا جواد يصنع له دائمًا، ثم لاحظوا الأشياء التي هي بحاجة إلى حركة ومرونة، الدماغ استقرار، النخاع الشوكي يجب أن لا يقترب أحد منه...لكن هناك أعضاء فيها حركة ، مثل القلب، مثل الرئتين، يجب أن يكون فيها حركة تنفس، دخول هواء، خروج هواء..فجعل المولى الحماية بالقفص الصدري المتحرك المرن، يتحرك وهذا القفص الصدري محصن بعد ذلك بعضلات... وهكذا تجد أن هذه العضلات المرنة التي تحيط بالقفص الصدري تحمي هذه الأعضاء، والقلب، والتنفس، وتجد بعد ذلك أعضاء كثيرة جدًا، وبعد كل هذا يوجد لديك مصدر مهم جدًا للكالسيوم للكلس، جعله الله جاهز كلما نقص الكالسيوم عندك يعطيك كالسيوم، سبحان الله، هل تعرفون قصة هذه العظام البسيطة التي ترونها.. هذه لها قصص طويلة، العظام في الحياة الجنينية المولى سبحانه واتعالى حكا لنا قصتها من بدايتها، هذا من التفكّر فانظر إلى نفسك أيها الإنسان، قال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} [المؤمنون: 12-14]
والله هذه الآية وحدها تكفي للذي عنده ذرة عقل واحدة فقط.
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} الآن أثبت العلم الحديث أن التركيب الأساسي للحمض النووي الذي هو أساس السلالة، لا يمكن تركيبة إلا بعناصر هي نفس عناصر الطين ، أبدًا لا تختلف ولا واحد بالمليار عن عناصر الطين، الحمض النووي الذي تستند السلالة إليه وتتميز القبائل والعشائر والأسر به، يستند إلى الطين، سلالة من طين، لكن ليس آدم عليه الصلاة والسلام وحده من طين، لا أنت من طين،لان الحمض النووي الذي كل سلالة، كل بشر لا ينشأ ولا يمكن أن يكون له أي ظهور إنساني إلا به.. من طين،
{ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً}
النطفة في اللغة العربية المويهه الصغيرة، والتي هي تصغير الماء.
فكل مويهه اسمها في اللغة العربية نطفة.
{ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} والنطفة فصّل فيها المولى سبحانه وتعالى ، لأن النطفة تطلق على النطفة الأنثوية، الآن يقولون بويضة، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نطفة المرأة) هكذا في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونطفة الرجل، وإذا اجتمعت النطفة مع النطفة أصبح اسمها النطفة الأمشاج، إذًا النطفة تطلق على نطفة الذكر وتطلق على نطفة المرأة وتطلق على النطفة الأمشاج أي عندما تختلط النطفة مع النطفة، هذا كله اسمه نطفة. والله قال: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة) وهذا حديث معجز، لأن النبي قال: (في بطن أمه) لا يحكي عن تشكل النطفة خارج البطن، أول عملية تبدأ في تشكّل النطفة التي هي كما قلنا نطفة أمشاج في النتيجة، أول لحظة عندما ينطلق الجُريب من المبيض، الذي يعرف عند الأطباء بأول يوم من أيام الدورة الطمثية، و يحصل بداية الحركة وتتميز هذه الخلية من خلايا المبيض، لو حسبت ما بين بداية هذه العملية وحصول النطفة الأمشاج أربعون يومًا، من الذي علّم سيدنا رسول الله، بداية تشكل النطفة الأنثوية أول عملية تتمايز فيها الخلية من المبيض محل النطاف الأنثوية إذا حسبت ما بينها وبين لقاء نطفة الرجل مع نطفة المرأة في القناة الرحمية وتتشكّل النطفة الأمشاج يكون العدد بالضبط أربعين يومًا، من الذي علّم رسول الله؟ ثم يكون علقة مثل ذلك ما معنى علقة؟ إذا عدت إلى القاموس وقرأت ما معنى العلق تجد أن العلق ما علِّق، التريا اسمها علق، كل شيء معلق اسمه علق، ما علِّق اسمه باللغة العربية علق، فعندما تخرج من القناة الرحمية إلى الرحم داخل القرار المكين، داخل الرحم تعلق بأحد جدارنه، غالبًا في السقف، لكن قد تعلق في مكان آخر، إنما تصبح معلقة، ويظهر شكل ناتئ ، لذلك سماها الله علقة لأنها قطعة علِّقت، و النبي عليه الصلاة والسلام ماذا قال؟ (علقة مثل ذلك) أي أربعين يوماً، كيف هذا الأمر أربعين يوماً، بعد أن يمضي أربعين يوماً يصبح كيس كبير وداخل هذا الكيس ماء، ويستند هذا الكيس إلى كل جدارن الرحم، ومجرد أن يستند إلى كل جدران الرحم لم يعد معلق، من الذي أصبح يحمله؟ كل الرحم، لم يعد يصلح أن يسمى علقة لأن العلقة ما علِّق فلمّا زال عنها اسم العلقة ما هي في المنظور؟ هي مضغة، يعني قطعة لحمية، وفصّل في القرآن وقال: {مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج:5] غير مخلقة المشيمة، والمخلقة الجنين.
(ثم يكون مضغة مثل ذلك)
القرآن ماذا قال؟
{فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا}
متى يبدأ التعظّم؟
في اليوم المائة والعشرين.
الله أكبر، المائة والعشرون كم شهر؟ أربعة. يـبدأ التعظم وصدق الله الذي يقول {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا} متى يبدأ عند هذا الجنين ظهور العضلات الكاسية؟ أول ظهور وتشكّل العضلات الكاسية بعد العظم، في اليوم المائة وخمس وثلاثين، والله يقول: {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا}،
نطفة..، علقة..، مضغة..عظام..، فكسونا العظام لحمًا.
وصدق الله.
هل تعرفون في أروبا ماذا كانوا يقولون في العصور الوسطى؟
مرسوم إنسان داخل نطفة الرجل، هذا ما كان عليه أهل أوربا، كانوا يعتقدون أن الإنسان كائن كامل موجود داخل نطفة الرجل، ثم بعد ذلك وظيفة المرأة رعياة هذا الكائن حتى يكبر، هذا ما يقوله الأوربيون في العصور الوسطى .
ما قالوا بهذا الذي يقوله القرآن إلا حين بدأت النهضة والثورة الصناعية، لكن الله سبحانه الذي خلق الإنسان {وَفِي أَنْفُسِكُمْ} [الذاريات:21] فانظر إلى نفسك قال هذا.
أول عظم يتكلس في الجسم،لأنه في البداية يكون مثل الغضاريف وبعدها يتكلس.. أول عظم يتكلس هو الترقوة، أول عظم يتكلس وهو آخر محطة للروح قبل مفارقة الجسد، أول ما يتشكل آخر ما تودعه الروح قال تعالى: {كَلا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ، وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ، وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [الواقعة: 26-30] أول ما يتكلس آخر ما تودِّعه الروح.
أمام هذا الذي تقرؤه ألا يجعل منك عبدًا ساجدًا أمام عظمة الله، عدد العظام الموجود في الجسم 206 من العظام داخل الجسم، لو حاولتم أن تنظروا منظر بسيط لعظم من عظام الجسم رأس العظم، جسم العظم... لاحظوا داخل هذا الجسم يوجد دهنيات وهذا الخط الأحمر مصنع الدم، مخزن للدهنيات، داخل العظم يوجد مستودع للدهون المولى ماذا قال؟
{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: 146].
القرآن يقول لك يوجد شحم مختلط بعظم، هذا العظم الذي هو مستودع للدهنيات الذي لونه أصفر، يجوز أن يقول الإنسان عادة نشفِّي العظمة ويبقى عليها قليلاً من اللحم، لكن القرآن يقول: {أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} من أين سيأتي الشحم المختلط بالعظم، نحن نعرف أن اللحام بعد أن ينظف العظام يبقى قليلاً من اللحمات عليها، لكن أين الشحم؟ وإذا هو مستودع، الذي خلق هو الذي يخبر...وبعدها تلاحظ إذا نظرت بصورة مقطعية الطبقات العظمية وكيف هذا المصنع للدم في الداخل، أخطر شيء جعله في الداخل، يوجد حوله شحم، وطبقات متعددة وفي الداخل المصنع المهم الذي تحتاج إليه، الذي فيه تتكون ملايين الكريات الحمراء كل ثانية، احسب كم في الدقيقة ، كمْ الساعة ، كمْ تتكون من الكريات في هذا المصنع، الجمجمة داخلها نسيج المخ، وهي تركيب عجيب، الجمجمة تتركب من طبقتين، نسيج صلب ونسيج صلب وبينهما نسيج إسفنجي، أي احتياط، الذين يدرسون الزلازل يعرفون أنه لو كان كله صلب يتكسر، الصدامات على الرأس كم يصاب الإنسان بها لكن تمر الأمور بسلام فبين الطبقتين الصلبتين يوجد نسيج إسفنجي، جرب أن تضع لوحين من الخشب وبينهما طبقة إسفنج، هل يتكسر؟ لا لأن هناك حماية ماص للصدمات، ومن يتعرض للصدمة أكثر الكبير أم الصغير، الصغير لذلك تجد أن الجمجمة عند الصغير لها مجال للحركة الطويلة، هذا يسمونه يوافيخ، لأن العظم لينة أكثر وليست موصولة بإحكام، هناك ست فتحات، كل فتحة اسمها يافوخ، أي على قدر ما يصاب بكدمات وضربات يحمل، فهي دائمًا متحركة مرنة...
لو دخلنا بسرعة إلى مقارنة بين الطرف العلوي والسفلي، أي الفرق بين اليد والرجل، الفرق بين عظام اليد وعظام الرجل نلاحظ بأن اليد فيها مرونة وحركة أكثر بكثير من الرجل، لأن يدك أنت بحاجة إلى حركة فيها، فهي مرنة ولا تحتاج إلى صلابة شديدة لكن الرجلان يحملان الجسم كله، فهي ليست بحاجة إلى مرونة في الحركة إنما إلى صلابة، فجعل الله عظام الرجلين، نفس العظام تفرق عن بعضها، عظام الرجلين صلبة وليست كثيرة الحركة، ومرونتها أقل لأنك بحاجة إلى الثبات ، بحاجة إلى إن تمشي ثابت الخطوة، فجعل الله المفاصل مرنة أكثر في الطرف العلوي والعظام والمفاصل في الطرف السفلي جعلها أكثر صلابة وأقل مرونة.
ونختم بجزء من النظر إلى النفس يجب أن نقف عدة محطات حتى تنظر إلى رجلك، إلى يدك، إلى رأسك..تقول هذا ليس أمراً بسيطاًً بل فعل ربّ العالمين، لأنك ربما تفكر بالمعمل أكثر من أن تفكر بهذا المعمل الكبير الذي هو أنت.
آخر آية أختم بها: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} [مريم: 4] {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [يس: 68] هذا الآن معروف عند الأطباء، اسمه ترقق العظام، يعني هذه الطبقات الصلبة والتي تمد الجسم بالكالسيوم... بعدها يكفيك تهيئ لقبرك، القبر سيأكل العظم، لكن قبل أن يأكله القبر يذكرك الله، بأن العظم بدأ بالتآكل، هناك شيء قبل القبر يأكل وأنت تمشي على رجليك، أنت الآن بدأت بالقبر، لكن قبر وأنت تمشي على قدميك، وبعدها {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4]، كان هناك غدد جلديه تعطي ميلامين وتصبغ الشعر، المعمل المواد فيه بدأت تنتهي، {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37]، في التفسير من الأقوال جاءكم الشيب، يعني جاء منذر ينذركم بقرب الرحيل، كل شيبة تظهر رسالة، إنذار خطر.
ترقق العظم، بدأ التآكل قبل القبر، واشتعل الرأس شيبًا وجاءت الرسائل، ألا ينبغي علينا أن نتوقف قليلاً في محطة التفكر!! ألا ينبغي أن نتوقف قليلاً لنقول بصدق (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا مسلمًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له..) ألا يوجد محطة أقول فيها: (إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي)، ألا يوجد محطة أقول فيها: (ربي إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني وارحمني إنك أنت غفور رحيم) ألا يوجد محطة أقول فيها: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقت لي هذا البدن، هذا الكون الصغير خلقتني? وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) كم نحن بحاجة إلى هذه المحطات .
أنت لم تذهب إلى الحج، ألا يمكن أن تقوم بحج يوميًا، فإذا صليت الصبح وجلست تذكر الله، تتوجه إلى الله حتى تطلع الشمس، ثم صليت ركعتين، رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن لك حجة وعمرة تامة تامة تامة، وكررها ثلاث مرات،هل تعبد البيت أم رب البيت؟ {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} [قريش: 3] إذًا نحن بحاجة إلى كسر الروتين، إلى كسر المألوف، ولو مؤقتًا لأن هذا سيقودنا إلى شيء من التفكر، قال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ} [آل عمران: 191] اللهم اجعلنا منهم.
أعلى الصفحة