الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Masjed Lessons دروس مسجدية
 
باب المجاهدة-الحديث التاسع
التصوف
جامع العادلية بحلب
22/11/2006
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيلَةً، فَأَطَالَ القِيامَ، حَتَّى هَمَمْتُ بأمْرِ سُوءٍ، قيل: وَمَا هَمَمْتَ بِهِ؟ قَالَ: هَمَمْتُ أنْ أجْلِسَ وَأَدَعَهُ. /مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
كان النبي عليه الصلاة والسلام يخفف في صلاة الفريضة، ويطيل في النافلة، وكان يأمر أصحابه بذلك، وقد قام الليل حتى تورَّمت قدماه.
فمع كمال استغراقه صلى الله عليه وسلم في الحقيقة، لكنه كان قائمًا أشدَّ القيام بالشريعة، مع أنَّ الحقَّ تعالى غَفَرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه وما تأخَّر، لكنَّ هذا لم يُعَطِّلْ أفعال الشريعة إنما زاد منها.
وعندما يجد القلب أنه يذكر الله، قد يخطر على الإنسان أن الأصلَ هو ذكر الباطن، أو عبادة الباطن، وربما قلل هذا من حركة الظاهر.
لكننا نلاحظ في هذا الحديث أن سيِّدَنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أعرف الناس، وأكثر الناس استغراقًا في التوحيد، كان في حركته الظاهرة على أكثر ما يكون في الشرعيات.
ثم إن سيدنا ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مع علمه بأن المقتدي يصحُّ له أن يجلس في النافلة عندما يكون مُتعَبًا، لكنه اعتبر أن قعودَه هذا والنبيُّ عليه الصلاة والسلام قائمٌ هو سوءٌ.
فطالما أن الإمام المقتدى به في العمل، وفي الهمة، وفي السلوك .. على درجةٍ من الأداء، فالموافقة تقتضي أن لا يكون أقلَّ منه.
لذلك رأينا في غزوة الخندق كيف حفر رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم مع أصحابه في الخندق، وعندما عجزوا عن صخرةٍ جاء فضربها فكسرها، بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان بينهم وكانوا يلاحظونه، فلا يكون أحدٌ منهم متقاعسًا.
فلو أن الإنسان وهو في فرديته قعد فهذا أمرٌ يعود له، أما أن يقعد وإخوانُه يبذلون الجهد فهذا نَظَرَ إليه سيِّدُنا عبدُ الله بن مسعود على أنه سوءٌ.
وهذه فائدة: إذا وجدْتَ إخوانَك قد أقبلوا بالهمَّة والحركة، وحدَّثَتْكَ نفسُك أن تكون أقلَّ منهم همّةً وحركةً، فإذا كنتَ من أهل الموافقة تنظر إلى هذا الأمر على أنه أمر سوء.
وهذا ليس في الصلاة وحسب إنما في كلِّ عمل، فإذا وجدت إخوانك في راحة تكون في الراحة.. لا سيما من يكون متقدِّمًا عليك في المعرفة وفي الهمة.. وهذا أمر باطن، لكنْ مع تقدُّمه في المعرفة يتقدَّم عليك في العمل؟!
فالعادة أنَّ الأقلَّ في المعرفة يبذل من الحركة الظاهرة أكثر ليلتحق بمن هو أكثر منه معرفةً في الباطن، لكن أن يكون الأمر معكوسًا، بأن يكون من هو أكثرُ معرفةً أكثرَ حركةً؟!
إذًا، السالك الموافق ينظر إلى هذه الحالة على أنها سوء، وهذه فائدةٌ سلوكيَّةٌ عظيمةٌ من الحديث.
نستفيد من الجماعة والسلوك والطريق أمرين:
- معرفةٌ باطنةٌ، وصفاءٌ، وخلاصُ الباطنِ من الأغيار.
- جهدٌ مشترَكٌ في الظاهر.
ففي الباطن صفاءٌ بحيث يتخلص من الأغيار، ومن الشوائب، ومن الرعونات .. وفي الظاهر يدٌ واحدة، وجسدٌ واحدٌ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد، وبنيانٌ مرصوصٌ.
فبلغة الهندسة وبلغة المادة بنيانٌ مرصوصٌ، وبلغة الطب وبلغة الروح جسدٌ واحدٌ، لأن الروح إذا خرجت من الجسد تفتت، الجماد يُشَدُّ بعضُه إلى بعض بالإسمنت، أما الجسد فيُشَدُّ بعضُه إلى بعض بالروح، فالذي لا يفهم بلغة الروح نقول له: بنيان مرصوص، والذي يفهم بلغة الروح نقول له: جسد، فخاطب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم باللغتين، حتى يكون من يفهم بالمادة ومن يفهم بالروح ملتزمًا في الجماعة.
فالذي ينظر إلى الأمة وإلى الجماعة وإلى المجتمع .. على أنه جسدٌ تربطه الروح: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24] فهو مجتمع حيّ، وجماعة حية فيها الروح، إذًا الترابط يكون بهذه الروح.
فإذا وجد الإنسان أنه في الجماعة ولا يستفيد من هذين الأمرين، فهناك عِلّة يجب أن يبحث عنها.
نسأل الله تبارك وتعالى القبول، والحمد لله رب العالمين.
أعلى الصفحة