الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Masjed Lessons دروس مسجدية
 
المحاضرة 2 : لماذا نختار العقيدة الإسلامية
العقيدة
جامع الإمام أبي حنيفة النعمان بحلب
24/3/2006
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
الحمد لله رب العالمين, الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
اللهم صلِّ على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, لا فهم لنا إلا ما فهمتنا إنك أنت الجواد الكريم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علماً وعملاً وفهماً وفقهاً في الدين, وردَّ ذلك علينا عند الاحتياج يا رب العالمين.
تقدَّم الكلام في الدرس الأول على أن الاعتقاد هو الباعث على العمل, خيراً كان ذلك العمل أو شراً.
واليوم ومع الدرس الثاني أيها الأخوة الأحبة, يَرِد على فكر الإنسان وقد رأى نفسه في بيئة فيها أب مسلم, أم مسلمة, قد يتساءل: لماذا أختار العقيدة الإسلامية؟
وهنا لابد أن نرجع قليلاً إلى التاريخ عند بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
العالم كان يعيش يا إخوتي في اتجاهات اعتقادية متعددة:
العرب: كان فيهم من يعبد الأصنام, معتقداً أن هذه الأحجار تقربه إلى الله, وكان بعضهم يعبد الأصنام لا لشيء إلا أنها تراث الآباء, وبالتالي هي تراث مقدَّس, لا ينبغي المساس به, فيتعصبون لفعل الآباء والأجداد, وبين العرب كان تنتشر عبادات ومعتقدات عجيبة, فمنهم من كان يعبد الكواكب, ومنهم من كان يعبد النجوم, ومنهم من كان يعبد الجن, وكان بعضهم يعتقدون أن الملائكة بنات الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
قبيلة حِمير على سبيل المثال كانت تعبد الشمس, قبيلة كنانة كانت تعبد القمر, قبيلة جُزام كانت تعبد المشتري, قبيلة طي كانت تعبد سهيلاً النجم سهيل, قبيلة قيس كانت تعبد الشِعرى, المذكورة في سورة النجم, عندما قال سبحانه وتعالى:
(وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى, وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) [النجم: 48-49]
وكانت قبيلة أسد تعبد عُطارد..
هذا واقع محيط بالبعثة, قبل أن يظهر نور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للناس.
إذا انتقلنا إلى بلاد الفرس, رأينا أن المجوسية تتطور, ففي بدايتها كانت تقول لهم: إن الله يسطع في كل ما يلتهب في الكون, كلما رأيت شيئاً يلتهب ويصدر شعاعاً ونوراً فالله يسطع فيه.
وتقول المجوسية لهم: إن هذه النار هي نار الإله, ثم تتطور بعد ذلك من رمزية إلى عبادة مجرَّدة, فتُعبد النار نفسها, في أول الأمر كانوا عند الصلاة يتوجهون إلى الشمس أو إلى النار, ثم لما ازدادوا ضلالاً صارت عبادتهم لنفس النار, يعبدون هذه النار التي يوقدونها ثم يسجدون لها على أنها هي الإله, نعوذ بالله!
إذا انتقلنا إلى الهند والصين, نجد البوذية تدعو إلى بعض الأخلاق الفاضلة, وتمزج مع هذه الدعوة وثنية عجيبة, وكانت الأصنام والهياكل وتماثيل بوذا تمثل أكبر جانب فيها, بل إن بعض الفِرق الدينية في الهند يا إخوتي, وصلت إلى أمر غلبت عليها في عباداتها وطقوسياتها النزعة الجنسية, كانت تحكي عن آلهة مؤنثة وآلهة مذكرة, والعلاقات بين هذه الآلهة, ثم وصلوا إلى عبادة الأعضاء الجنسية في تلك الآلهة, ووصل الأمر بهم.. انظروا إلى الضلال, هذه معتقدات كانت قبل أن تظهر العقيدة الإسلامية, ثم وصل بعضهم إلى عبادة العُراة والعاريات, عبادة..!
إذا انتقلنا إلى بلاد الروم نجد أن العقيدة المسيحية كان يمتزج مع التوحيد فيها كثير من الدخيل الذي يرد من الأساطير اليونانية والوثنية والخيالات الأفلاطونية, حتى كثرت التناقضات, وأصبحت ملل وفرق مختلفة جداً, منهم من يقول: أن المسيح له طبيعة ثنائية مزدوجة, له طبيعة بشرية وطبيعة إلاهية, ومنهم من يقول: لا, إن طبيعة المسيح هي طبيعة إلاهية لأن الطبيعة البشرية قد فنية وتلاشت في الطبيعة الإلهية..!!
هكذا كانت التناقضات.
أما اليهودية فكانت تعيش حالة عبادة المصالح, تهتم بالطقوس وتتلاعب بالنصوص, تحرفها, ووصفهم القرآن بقسوة القلوب, ابتعدوا عن صفاء الإيمان, ابتعدوا عن جزوة الإيمان, الصلة بالله, الروحانية, مارسوا الكذب على الله, حتى قال القرآن لهم عندما بُعث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:
(قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ, وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [الجمعة: 6-7]
لأنهم كانوا يكذبون على الله, وكانوا يحتالون على الناس, وكانوا يقولون:
(لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) [آل عمران: 75]
يعني أي شيء نفعله من الفساد والإفساد, فالله لا يعذبنا, لأننا أحباؤه, لأننا أولياؤه..
هذه هي العقائد الكبرى التي كانت تحيط بهذا الغار الذي أشرق فيه النور, عندما نزل الملك على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقرأ, عندما بدأت العقيدة الإسلامية.
بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقرأ, والحقيقة يا إخوتي عندما نقرأ هذه الآيات الأولى التي نزلت على حبيبنا وإمامنا وقرة أعيننا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم, نجد أنها أساس الدين, هذه الآيات التي يمر كثيراً على أذهاننا وعقولنا وقلوبنا أنها أول ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم, ونحن نقول دائماً: إن أساس الدين الاعتقاد.
لو أننا نظرنا إلى هذه الآيات لرأينا أن هذه الآيات هي منطلق العقيدة, منطلق العقيدة الإسلامية, بمعنى: إذا أردنا أن نفهم لماذا نختار العقيدة الإسلامية من بين هذا الركام من المعتقدات, ينبغي أن نفهم أول الآيات التي نزلت على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ما هذه الآيات؟
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ, خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ) [العلق: 1-2]
انظر.. هذه الآيات نقرأها كثيراً أيها الأخوة الأحبة, لكن هي منطلق العقيدة.
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)
يعني إما أن تقرأ بهواك, وإما أن تقرأ بربك, هنا القراءة إما أن تكون هوى, كما قال سبحانه وتعالى:
(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) [الفرقان: 43]
إما أن يقرأ الإنسان حياته, سلوكه, عاداته, تقاليده, تعامله, كل المعاملات التي يعيشها.., إما أن يقرأ هذا بهواه بنفسه, وإما أن يقرأها بربه, فإذا أراد أن يتعامل مع الأسرة قرأ بربه, إذا أراد أن يتعامل مع الطفولة قرأ بربه, إذا أراد أن يتعامل مع الأم قرأ بربه, إذا أراد أن يتعامل مع الشجرة قرأ بربه..
القارئ بنفسه ينطلق من الهوى, أما القارئ بربه فإنه يستمد, وشتان شتان بين من يقرأ مستمداً من العليم العلام, وبين من يقرأ وهو في حالة فوضوية من نفسانياته وهواه, شتان.. النفس فوضوية, النفس عبثية, النفس لا تريد الانضباط..
لذلك إما أن يقرأ باسم ربه, وإما أن يقرأ باسم نفسه, إما أن يقرأ بربه, وإما أن يقرأ بنفسه, لأن علماء التوحيد يقولون: الاسم عين المُسمَّى.
فقوله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) يعني اقرأ بربك.
طيب بعد ذلك إيش قال: (الَّذِي خَلَقَ)
يعني باختصار هو خالق كل شيء, فإذا أردت أن تقول: لماذا أقرأ باسم ربي, لما لا أقرأ بنفسي, كما يقولون الآن: حرية تعبير مطلقاً, طيب حرية الرأي غير حرية التعبير, هذا بحث لسنا الآن بصدده, لكن انظروا إلى الفوضوية التي يعيشها أصحاب الأهواء, هنا يفسِّر, لماذا أقرأ؟ إذا قلت: لماذا أقرأ باسم بربي؟ لماذا أقرأ بربي ولا أقرأ بنفسي, نفسي تملي علي شيء لماذا؟
قال: لأنه الذي خلق.
هل أنت الذي خلقت, إن كنت الذي خلقت؛ فلتقرأ باسم نفسك, إن كنت أنت الذي خلقت نفسك, إن كنت أنت الذي خلقت نفسك, إن كنت أنت الذي خلقت عقلك, إن كنت أنت الذي خلقت أذنك, إن كنت أنت الذي خلقت الشجرة, إن كنت أنت الذي خلقت النجم, إن كنت أنت الذي خلقت الشمس, إن كنت أنت الذي خلقت السماء أو الأرض؛ فاقرأ باسم نفسك..
لكن إذا علمت أن الذي يخلق واحد هو الله.
إذاً باختصار أنت مخلوق, حتى وإن كنت متميزاً, لكن إن كنت حقيقة متميزاً, ينبغي أن تستعمل ما خُلق فيك, خلق الله لك قلباً, وخلق عقلاً, وخلق فكراً, فإن أنت استخدمت ما خُلقت من أجله, وما خُلق فيك إن كنت تستخدمه استخداماً صحيحاً؛ ستصل إلى أن تقول: سأقرأ باسم الذي خلق.
ثم أتى بعد هذا بقوله:
(خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ)
انظر.. هذا الإنسان مجرد أن يُقال: إن هناك مخلوقات وصنعة صنعها الله سبحانه وتعالى؛ سيقول هذا الإنسان: أنا متميز بين هذه المخلوقات.
مباشرة يأتيه من الله سبحانه وتعالى:
(خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ)
يعني أيها الإنسان المتميز, أيها الإنسان السميع البصير المدرك المريد القادر, أيها الإنسان الذي له ما له من الصفات.. أنت مخترِع ومبتكِر وعالم وإلى آخر ما هنالك.. من الذي أوصلك إلى هذا؟
من الذي صورك وركبك؟
هل علمت من أنت؟
أنت علق, ما معنى علق, لو رجعت إلى القاموس, العلق: هو ما عُلِّق. العلق كل شيء معلِّق في اللغة العربية علق, هكذا في اللغة.
لو أردنا أن نرى كيف أن هذا الإنسان خلقه الله سبحانه وتعالى.. انظر هذا يعيد الإنسان.. إنسان منفوخ, ويروح بالطول والعرض.. ثم هو بعد ذلك عندما يرجع إلى بداياته, أنت مُعلَّق, لاحظ عندما ترى إنسان كامل بسمع وبصر, وترى أنه مُعلَّق؛ يهون عليك, قطة إذا رأيتها مُعلَّقة تهون عليك, يعني تقول: هالمسكينة معلقة, كيف هذا الإنسان.. لو كان كاملاً ومُعلَّقاً فهو شيء قليل, كيف إذا كان وهو مجرد خلايا, هذه هي بداية الإنسان, خلية من الأنثى وخلية من الذكر, هذه هي بدايات الإنسان, خلية من الذكر خلية من الأنثى, لو أردنا أن ننتقل بعد ذلك نجد كيف أن هذه الخلية آخر صورة هذه الخلية التي تنزل إلى باطن الرحم, هذا حينما يكون قد التصق يصبح مُعلَّقاً, هذا المعلق الذي يمكن أن يتصوره الإنسان, عبارة عن مجموعة خلايا ومُعلَّقة في أحد جدران الرحم, هذا هو العلق..
أنت هذا أيها الإنسان, هذا أنت, من أنت أيها السميع أيها البصير..
هذا أنت, أنت عبارة عن مجموعة خلايا مُعلَّقة ملتصقة في باطن الرحم, أنت الآن منفوخ وشايف حالك أحسن المخلوقات, تقطع الشجرة, تصنع أسلحة الدمار الشامل, تقوم الدنيا وبتقعدها.. لكن أنت أيها الإنسان تذكر ضعفك..
(خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ)
فكل ما في هذا الإنسان هذا مُبتداه, وبعدها تستطيع أن تقرأ قوله تعالى:
(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ) [الإنسان: 2]
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: معنى نبتليه: يعني نخلقه خلق بعد خلق.
(فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)
هذا أنت أيها الإنسان, وقد كوَّنك الله سبحانه وتعالى قبل أن تخرج إلى الدنيا.
سبحان الله..
كيف الحق سبحانه وتعالى يخلق الكون كله, ويُميِّزك ويُذكِّرك بمبتداك, ويُذكِّرك بأنه هو سبحانه الذي جعلك سميعاً بصيراً.
يقول سبحانه وتعالى:
(مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) لماذا لا تُعظمون الله.
قالها سيدنا نوح لقومه:
(مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارً)
كنت خلية, صرت اثنتين ثلاثة أربعة.. صرت علق, يعني مُعلَّق, ثم رعاك الحق سبحانه واعتنى بك, إلى أن صرت بعد ذلك سميعاً وبصيراً.., خلقك أطواراً, لما لا تُعظِّمه,
وهو الذي اعتنى بك, وهو الذي خلقك طوراً فطوراً إلى أن صرت ذلك الإنسان المدرك السميع البصير؟
إذاً بعد أن وصل هذا الإنسان إلى تصوّر ضعفه
(خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ)
استشعر ضعفه واستحى وخجل على حاله, وخجل على دمه, وبعدين.. قال:
(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) [العلق: 3]
الله..
إذاً أنت عندما قرأت وفهمت وتعلَّمت؛ فإن الذي علَّمك هو الأكرم.
هذه المزايا التي أُعطيتها, صحيح مع أنك مُبتداك علق, لكن الذي جعلك متميزاً هو الأكرم.
(اقْرَأْ)
لا تخجل.., بعد ما خجلت وقلت: خلص أنا مُبتدى خلقي علق, نقول له: لا, لا, لا..
(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ)
اقرأ لأنك حين تقرأ لا تقرأ بنفسك, إنما تقرأ بالأكرم, فهو الذي اعتنى بك وعلَّمك.
(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ, عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: 3-5]
هنا.. يقول الإنسان: يا سبحان الله, الله سبحانه وتعالى يعتني ببدني, يعتني بجسمي, ويعتني بمعرفتي, يهديني.., يرشدني..
(عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)
أربع مرات في القرآن الكريم تكرر قوله تعالى:
(وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)
روح على جهة الشرق, تقول: كم فيها؟
فتسمع (وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)
روح لجهة الغرب, روح لجهة الجنوب, روح لجهة الشمال
(وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)
طيب بعد كل هذا, بعد كل هذا لماذا نرى الإلحاد؟
الله سبحانه وتعالى يعتني بالإنسان, يرشده إلى المعرفة, يُعلِّمه, يعطيه العقيدة الصحيحة السليمة, لكن مع هذا ترى أن كثيراً من الناس يعيشون حالة الإلحاد, حالة المادية الطاغية, حالة عبادة الرأي, عبادة الهوى, ما سر ذلك, ما سر هؤلاء الذين حصل عندهم هذه الانحراف, مع أن الله سبحانه وتعالى أكرمهم بالخلق, وأكرمهم بالتعريف؟
فلماذا نرى الملحدين, ونرى العتاد, ونرى الطواغيت, ونرى المستكبرين, لماذا, ما سر هذا؟
يأتيك الجواب:
(كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى, أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) [العلق: 6-7]
إيش معنى هذا يا إخواني؟
معناه: لما رأى الإنسان ما أعطاه الله سبحانه وتعالى, وما منحه إياه؛ استغنى بالعطية عن المعطي, انظر إلى هذا الإنسان الجاحد!!
لما رأى ما أعطاه الله سبحانه, أعطاه علماً, أعطاه قدرة, أعطاه تميزاً, أعطاه منصباً, أعطاه مالاً.., فاستغنى بالعطاء عن المعطي, مع أنه في الحقيقة لا يستغني, بمعنى: يعني أنه تَوهَّم أنه يستطيع أن يستغني, لأنه في كل نفس مُحتاج إلى الله.
أعطني نفس واحد تستطيع أن تكون فيه غير محتاج إلى الله, نفس واحد!!
أعطني ثانية, أعطني بُرهة..!!
أبداً.. لا يمكن, أنت في كل الأوقات محتاج إلى الله, قال الله سبحانه:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ) [فاطر: 15]
وقال سبحانه:
(يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن: 29]
فأنت في كل الأحوال مُحتاج إلى الله, أنت في كل الأحوال ذو فاقة وذو فقر وذو احتياج إلى الله سبحانه, لكن لماذا تنساه؟
لأنك ترى العطية, فتشغل بالعطية عن المُعطِي.
(كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى)
عندما وصله هذا العطاء؛ أطغاه هذا العطاء, فنسي من أعطاه.
(كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى, أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى)
عندما رأى العطاء؛ استغنى بالعطاء عن المعطي.
يا الله, مع أن حاجة الإنسان لا انقطاع لها في أي وقت؛ لأن الذي يُمدّه في كل وقت هو الله سبحانه, والله سبحانه وتعالى أمَدَّ هذا الإنسان إذا كان في ضلالته أو كان في هداه, لماذا؟ لأن الدار دار تكليف.
أنا الآن إذا أردت أن أمتحن إنسان, ألا أعطيه الوسائل, ألا أعطيه الأدوات, يجب أن أعطيه الوسائل والأدوات.., ينبغي أن أعطيه الوسائل, إذا أردت أن أعطيه فرصة من أجل أن يثبت فيها أنه ناجح يستحق النجاح أو الرسوب, أدخله إلى الامتحان, إذا كان يحتاج إلى أوراق, قلم أعطيه قلم, القاعة التي يكون فيها الامتحان يجب أن يكون فيها تهوية, أن يكون فيها ضياء, لا أطفئ الضوء عليه وأقول له: أعمل امتحان, يقول لي: كيف سأكتب. حتى إذا كان يحتاج إلى شيء, حبة وجع للرأس..روحوا شوفوا امتحانات البكالوريا, إذا احتاج إلى حبة وجع راس, احتاج إلى شيء يعطيه..
إذاً المولى سبحانه أعطانا فرصة في دار التكليف فأمده, فإذا كان يختار طريف الضلال يُمده, وإن كان يختار طريق الهدى يُمده..
لكن الإنسان يجب أن يفهم, أنت أعطاك المولى المال وأمدك, وأحببت أن تستخدم المال في هواك وفي الضلال, المولى يُمدك, لأنه امتحان, لأنه دار تكليف..
انظر القرآن الكريم ماذا يقول:
(مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ) يعني الذي يريد الدنيا وحدها, العاجلة: الدنيا.
(مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا, وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا)
أصبح نحن أمام فريقين, الفريق الأول ماذا يريد؟ العاجلة, الدنيا.
الفريق الثاني, ماذا يريد؟ الآخرة.
وبعدها ماذا قال سبحانه:
(كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء)
الله أكبر..
الذين يريدون الدنيا نُمدهم نُعطيهم, يريدون الشهوات نُمدهم, الذين يريدون أنفسهم نُمدهم, الذين يريدون الطغيان نُمدهم..
لماذا؟ المولى سبحانه وتعالى قادر أن لا يُمده, خلص بيقطع راسه وانتهينا..
هو الذي يمده..
قال: لأن الدار دار تكليف.
(كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ) [الإسراء: 18-20]
فهو سبحانه لا يقطع عنهم الهواء, ولا يقطع عنهم الماء, ولا يقطع عنهم الغذاء..
وينزل المطر على المؤمن والكافر أم على المؤمن فقط؟
على الجميع.. ينزل المطر على الجميع, والغذاء على الجميع..
سبحان الله, الله سبحانه وتعالى يعطي الجميع؛ لأن الدار دار تكليف.
يقول سبحانه وتعالى:
(لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ, مَتَاعٌ قَلِيلٌ..)
يعني هي مدة امتحان
(..ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [آل عمران: 196-197]
ويقول سبحانه:
(وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ, وَأُمْلِي لَهُمْ..) يعني أمدهم, أعطيهم
(..وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [الأعراف: 182-183]
في نفس الوقت يشرح القرآن لنا, يقول:
(يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ..) يعني بـ (لا إله إلا الله محمد رسول الله)
(يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) [إبراهيم: 27]
ويقول سبحانه:
(وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ..)
يعني الله يكفيك؛ لأنه هو الذي يُمدك.
(..هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال: 62]
أصبح التأييد, العطاء, الإمداد, الإملاء.. ليس لفريق دون فريق, لا..
الذين يريدون الدنيا يعطيهم, والذين يريدون الآخرة يعطيهم, ويمدهم؛ لأن المدة مدة اختبار.
طيب عندما بُعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.., تعالوا حتى نأخذ قصة واحدة من السيرة النبوية, حتى نرى كيف كان صلى الله عليه وسلم يدعو إلى هذه العقيدة:
أخرج ابن خزيمة عن عمران بن حصين, أن قريشاً جاءت إلى الحصين وكانت تعظمه, الحصين في قريش كان الحكيم الذي يقصده الناس من كل فج, يقصدونه لأنه ذو عقل, ذو حكمة, ذو شأن, حصين قالوا له.. جاءت قريش إلى حصين وقالوا له: أنت الحكيم بيننا, أنت العاقل بيننا, كلِّم لنا هذا الرجل. يعني كلِّ سيدنا محمداً. يقولون: كلِّم رسول الله, كلِّم محمداً صلى الله عليه وسلم, فإنه يذكر آلهتنا ويسبّها.
يسب الآلهة, نحن نعبد هذه الآلهة ونعظمها, هكذا رأينا آباءنا, هكذا رأينا الأجداد..
كلِّم لنا هذا الرجل فإنك عاقل وحكيم وكبير.
فجاءوا معه, جاؤوا القرشيون مع حصين, حتى جلسوا قريباً من باب النبي صلى الله عليه وسلم.
حُصين دخل وهم يستمعون خارج المنزل, ما دخلوا, دخل حصين وحده.
فقال لما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: (أوسعوا للشيخ.)
أكرمه رسول الله, قال: أفسحوا له المجال, حتى يدخل.
فدخل حصين, قال حصين لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الذي بلغنا عنك, إنك تشتم آلهتنا وتذكرهم. يعني تذكرهم بالسوء.
رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف يعطينا درس, كيف يمكن أن نُقدِّم العقيدة.
انظروا ماذا قال له رسول الله, هل قال له: أنت كافر لا تفهم زنديق, أنت ممن يعبد الأصنام, روح أنت جاي لعندي, أنت جاي في حضرة سيد الكائنات الطاهر المُطهَّر, هكذا قال رسول الله..؟؟
قال: (أوسعوا للشيخ.) أفسحوا له المجال, يعني يا أبا بكر, يا عمر, يا بلال, يا عمار, يا شيوخ الأصحاب.. ابتعدوا ودعوا هذا المشرك أن يدخل.
يا سبحان الله, قال: (أوسعوا للشيخ.)
فلما جلس أمام النبي عليه الصلاة والسلام, قال: (يا حصين, كم تعبد من إله؟.)
كم واحد تعبده؟
قال: سبع في الأرض وواحد في السماء.
حصين يقول: أنا أعبد.. هكذا عقيدته, هو يُعبِّر عن عقيدته, قال: أعبد سبع في الأرض وواحداً في السماء.
قال: (فإذا أصابك الضُر, من تدعو؟)
عندما تقع في الضيق, في العسر, لأين تركض؟
قال: للذي في السماء.
قال: (فإذا هلك المال, من تدعو؟)
إذا لم يبق عندك مال, إلى ممن تتوجه؟
قال: للذي في السماء.
قال: (فيستجيب لك وحده, وتُشركه معهم.)
طيب واحد هو الذي يعطيك, فكِّر بعقلك يا حصين, هو وحده الذي يعطيك, لماذا تجعل معه آلهة, وأنت في فطرتك تتوجه إلى واحد؟
قال: (فيستجيب لك وحده, وتُشركه معهم, يا حصين أسلم تسلم)
حصين يأتي حتى يحاور سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه, ويوجّهه, ويرشده, ويهديه.., يقول له: (يا حصين أسلم تسلم)
يعني سلامة قلبك وسلامة عقلك وسلامة بدنك وسلامة حياتك..في الإسلام, في هذه العقيدة.
قال: إن لي قوماً وعشيرة.
يعني كلامك يا محمد صلى الله عليه وسلم كلام مُقنع, منطقي, كلام مع العقل, وهو حكيم, ويتحدث من خلال حكمته, لكن توجد إشكالية اجتماعية..
هذه هي إشكالية عالمنا الإسلامي اليوم, أكبر إشكالية في عالمنا الإسلامي:
العادات والتقاليد.
صحيح.. شيخي والله صحيح مظبوط, لكن ماذا سأقول للناس, الناس يقولون هيك, ماذا سأقول, ماذا سأحكي..
هذه هي المشكلة الكبرى, عندما تُهيمن التقاليد, وتهيمن العادات, والإنسان يقف بين عقيدته وبين عاداته, بين التعاليم وبين التقاليد.
قال: إن لي قوماً وعشيرة.
يعني إذا دخلت معك, أنت معك كم واحد من العُقلاء, لكن الذين وقفوا مع التقاليد والطقوس والجاهلية ما أكثرهم, فماذا أقول.
والله أنا رأيت أن هذا الكلام جميل, وأنا أريده, لكن كيف أقاوم, كيف أستطيع أن أقف في وجه كل هذه العادات والتقاليد, لتكون عقيدتي وعقلي الموافق للعقيدة أقوى من هذه التقاليد والعادات؟
فماذا أقول؟
قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم:
(قُل: اللهم أستهديك لأرشد أمري, وزدني علماً ينفعني)
قال له: عندما قبل العقل, لن تستطيع أن تقاوم العادات, أن تقاوم المحسوس, أن تقاوم المألوف, إلا بقوة باطنة.
إذاً المنطق وحده لا يكفي, والله هذه الحكاية مقنعة, يأتي يقول لك: مقنعة ممتازة كثير..بس لست أستطيع, ماذا أفعل, ما الذي أستطيع أن أفعله..
نقول له: صحيح, هنا كما يقولون في المثل: حطنا الجمَّال.
إذاً أنت تحتاج إلى هداية من باطنك, إذاً أنت بحاجة إلى أن تتوجه إلى الله, أنت بحاجة أن تطلب الهداية لقلبك, فلا تكفي هداية عقلك, فإذا استرشد عقلك لا يكفي؛ لأن العقل يمكن أن يُعطيك دفعاً, لكن المحرك ليس نفَّاث, المحرك النفاث الذي به تنطلق الطائرة وينطلق الصاروخ, صاروخ الهِّمة, إنما هو هداية القلب, فهداية العقول وحدها لا تكفي, لذلك كم تجد من الناس على قناعات واضحة, لكن يخالفون قناعاتهم, لماذا؟
لأن نفوسهم تغلب عقولهم.
من الذي يستطيع أن يغلب النفس؟
القلب, الروح.
أما إذا بقينا نقول للعقل: يا عقل, هل أنت على قناعة؟
العقل يقول: نعم.
وبعدها تجد أن النفس تنسف العقل, وتقول له: فهمنا.. خلصنا.. تخنتها.. يا الله.
لكن من الذي يستطيع أن يرتقي بالهمة؟
القلب والروح.
لذلك قال صلى الله عليه وسلم لحصين:
اللهم أستهديك..)
يعني التجئ إلى الله, اطلب الهداية لقلبك من الله.
اللهم أستهديك لأرشد أمري, وزدني علماً ينفعني)
فقالها حصين.
يعني حصين توجّه إلى الله, وبدأ يكرر هذه الكلمة, ويقول:
اللهم أستهديك لأرشد أمري, وزدني علماً ينفعني.
نحن جميعاً نطلب من الله ونقول:
اللهم نستهديك لأرشد أمورنا, ونسألك أن تزيدنا علماً ينفعنا.
أحفظ هذا الورد, ورد يلقنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحصين الحكيم.
اللهم أستهديك لأرشد أمري, وزدني علماً ينفعني.
بقي حصين يكررها, ويتوجه إلى الله, فلم يقم حتى دخلت الهداية إلى قلبه.
الله.. عندما دخلت الهداية إلى قلبه؛ أشرق وجهه بالنور, وتوجّه إلى الله.
وإذاً في المجلس عمران بن حصين, وكان عمران قد سبق أباه إلى الإسلام.
لما رأى عمران أباه وقد أشرق وجهه بالنور, وتعمَّر قلبه بالهداية, قام مسرعاً إلى أبيه يُقبِّل رأسه, ويُقبِّل يديه, يُقبِّل رجليه..
لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بكى.
قال: (بكيت من صنيع عمران.)
بكيت من صنيع هذا الشاب.
عمران بن الحصين, يقول أهل الله: إذا ذُكر عمران بن حصين؛ يُستجاب الدعاء عند ذكر اسمه.
اشفي لك حاجة من الله, إذا ذُكر عمران بن الحصين, اذكرها واطلبها من الله؛ فإنه يعطيك إياها؛ لأن ذكر اسمه به تتنزل الرحمة, وتُفتح أبواب الإجابة.
يقول صلى الله عليه وسلم: (بكيت من صنيع عمران.)
دخل حصين وهو كافر, فلم يقم إليه عمران, ولا قبَّله, ولا سلَّم عليه, ولا التفت إليه؛ لأنه متوجه إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولمّا آمن,ولما دخلت الهداية إلى قلبه, وصار فرعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وصار فرعاً عن حقيقة العقيدة, حقيقة التوحيد, حقيقة لا إله إلا الله, عندما حصل هذا؛ قام إليه.
قال: (دخل حصين وهو كافر, فلم يقم إليه عمران, ولم يلتفت ناحيته, فلما أسلم قضى حقّه, فدخلني من ذلك الرِقة.)
يقول صلى الله عليه وسلم: رقَّ قلب لما شهدت.
الله.. لما أراد حصين أن يخرج, النبي عليه الصلاة والسلام, ماذا قال لأصحابه, قال:
(قوموا فشيِّعوه إلى منزله.)
يعني اطلعوا معه, ووصلوه حتى البيت.
يا سبحان الله!! رسول الله صلى الله عليه وسلم, من الذي أعلمه أن هناك ناس واقفين عند الباب وينتظرون جواب حصين؟
من الذي أخبره أن هناك من عُتات القوم المتكبرين, المتجبرين, الذين يجلسون عند الباب, ولعلهم يثيرون فيهم نعرة الحمية, نعرة التقاليد, لأن عُتبة قبل حصين دخل إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وكاد أن يهتدي, فلما وصل إلى أبي جهل؛ قال له أبو جهل: أعطاك محمد من المال, أعطاك.. أطعمك شوية أكلات.. مشي حالك, حتى رجعت مذهول..
عُتبة دبَّت فيه الحمية والنعرة.. أنا الذي يعطوني المال.. أنا عُتبة.. أنا.. أنا.. أنا...
فرجع إلى ضلاله.
لكن حُصين حصَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال للأصحاب, اخرجوا حوله, وأوصلوه إلى منزله؛ لأنه يحتاج إلى صحبة؛ حتى يثبت ما فيه من الهداية.
هذه نقطة مهمة جداً.. إذا اهتديت؛ ابحث عن الصحبة التي تُثبِّت الهداية في قلبك.
أما أن يجلس الإنسان ساعة أو ساعتين في مجلس داعية, في مجلس إيمان, ثم يخرج بعد ذلك فيجد من يُبعده عن هذا الجو..
إيه طيب.. بعد ذلك يجد الخمير والفطير راح..
إذاً قال صلى الله عليه وسلم: (قوموا فشيِّعوه إلى منزله)
فلما خرج من سُدة الباب؛ رأته قريش, فقالوا: صبئ.
خلص هذا ما عاد فيه فائدة منه, التحق بمحمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
الخلاصة:
بعد بعد هذه المقدمة نقول كلمتين, ونختم بها هذا المجلس المبارك, نقول:
حينما نختار العقيدة الإسلامية؛ فإننا نختارها لأمرين اثنين:
الأمر الأول: لأن العقيدة التي نختارها, مصدرها وحي قطعي الثبوت عن إله الكون.
يعني عندنا هذا القرآن الذي ثبت بالأدلة المتواترة التي لا تقبل الشك, ثَبَت أنه كلام الله الذي هو إله الكون.
إذاً مصدر هذه العقيدة وحيٌ قطعي الثبوت, هو كلام مَنْ خلق الكون, والذي خلق الكون هو الأعلم بالكون, والذي خلق الإنسان هو الأعلم بالإنسان.
(أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك: 14]
إذاً هذا السبب الأول, بينما غيرنا ليس عنده هذا المصدر, ما عنده هذا المصدر, الأمم السابقة لم تحفظ كتبها, وتعددت النسخ والروايات, وحصل الانقطاع, والرواة مجاهيل, أما القرآن فإنه نُقل إلينا بالتواتر, بحيث يستحيل أن يحصل أي اضطراب في هذا النقل.
إذاً القرآن الذي نقرأه, هذا المصحف الذي بين أيدينا, مهما حاول من حاول أن يضيف أو يحذف, يبقى هذا القرآن كما أنزله الله سبحانه وتعالى.
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9]
إذاً هذا أول أمر.
الأمر الثاني: لأن العقيدة الإسلامية يؤيدها العقل السليم.
إذاً نختار العقيدة الإسلامية لأمرين:
الأمر الأول: لأن مصدر هذه العقيدة كلام الله, وقد ثبت هذا بالأدلة, وكلام من خلق هو أحسن بالتأكيد من كلام من لا يخلق.
(أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [النحل: 17]
إذاً هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني: لأن العقيدة الإسلامية يؤيدها العقل السليم.
كما رأينا عندما دخل العاقل الحكيم حُصين, وجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, ما لبث أن دخلت العقيدة إلى عقله, قبله العقل, ثم أيَّد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بهداية القلب.
لهذا نحمد الله سبحانه وتعالى على الإيمان بهذه العقيدة.
(بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ) [الحجرات: 17]
نحمد الله سبحانه, ونسأله سبحانه وتعالى أن يزيدنا إيماناً, وأن يزيدنا تثبيتاً, نسأله سبحانه وتعالى ألا يدع لنا في هذه الساعة المباركة ذنباً إلا غفره.
اللهم لا تدع لنا في هذه الساعة المباركة ذنباً إلا غفرته, ولا........

أعلى الصفحة