الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Articles المقالات
 
لا ينبغي أن نتحول إلى أدوات
 
لا ينبغي أن نتحول إلى أدوات

(أهل السنة والجماعة) مصطلح قديم ..
يوم اعتزل (واصل بن عطاء) مجلس الحسن البصري لينصر أدلة العقول ويكذّب أحاديث الرسول.. وسمي أتباعه ( المعتزلة ) .. الذين لم يكونوا من أهل السنة والجماعة ..
واجتمعت غالبية المسلمين على نصرة القرآن وأحاديث المصطفى العدنان تحت مسمى ( أهل السنة والجماعة )
ثم إن أهل السنة والجماعة -الذين ينصرون القران والسنةـ تعددت أساليب نصرتهم للكتاب والسنة فكان منهم:
1-أهل الحديث: الذين تجنبوا الخوض في أدلة العقول ونصروا النقول بعيدا عن المنطق وأدلة المتكلمين.
2- الأشاعرة والماتوريدية: وإليهم انتسب معظم علماء الإسلام …
كانوا ينصرون القرآن … وينصرون السنة … ويستخدمون أدلة العقول لردع المتكلمين المتمردين على النقول …
كانوا يستمدون اعتقادهم من الكتاب والسنة فقط ..
وكانوا يستخدمون دليل العقل سلاحا رادعا لتبيين خطأ المعتزلة وأقرانهم من أهل البدع … وإقامة الحجة عليهم وإثبات أن جانب الصواب هو فيما جاء به الكتاب والسنة فقط .
لم يكن هنالك أي صدام تاريخي او عداوة أو بغضاء بين مدرستي أهل السنة والجماعة ( الحديث ) و ( الأشاعرة والماتوريدية ) .
هذا ما كان من تاريخ أهل السنة والجماعة.
لكن ماذا عنا نحن اليوم؟؟
ماذا عن المسلمين الذين يتنازعون مصطلح أهل السنة والجماعة؟
مع الأسف أخذت تطفو إلى السطح ظاهرة ( الإلغائية ) بديلا عن ( الاستيعابية) التي كان عليها صنفا أهل السنة والجماعة في تاريخنا ..
أولا- المنتسبون إلى مدرسة أهل الحديث وقع كثير منهم في منزلقين:
1- تأويل بعض المتشابه وإعمال ظواهر بعضه الآخر فأوقعهم ذلك في التشبيه والتجسيم ونسبة المكان إلى الله تعالى فأوّلوا قول الله تعالى: ( وهو معكم ) وأعملوا ظاهر قوله تعالى: ( ءأمنتم من في السماء ).
2- وقع كثير منهم في ( الإلغائية) فقالوا إن الأشاعرة والماتوريدية ليسوا أصلا من أهل السنة والجماعة.
ثانيا: بعض المنتسبين إلى الأشاعرة والماتوريدية:
سرت إليهم عدوى الإلغائية بديلا عن الاستيعابية التي كان عليها سلفهم فنسبوا جميع من ينتسب إلى مدرسة الحديث إلى الخوارج، مع أن الخوارج كانوا في الماضي حركة شاذة خرجت على جماعة المسلمين وخلفائها، فقاس (مع الأسف) بعض المتنعمين بدفء ( الحكام المستبدين المستكبرين المتمردين على الله المستضعفين لشعوبهم) قاسوا أسيادهم من الحكام على خلفاء المسلمين !!!
وماكان أمر المسلمين يصلح بالالغائية يوما ما، ولكنه يصلح بالاجتماع والحوار فكرا، مع الاصطفاف صفا واحدا (مهما بلغ الاختلاف الفكري مداه ) في صف المظلوم ضد الظالم وفي صف المستضعف ضد المستكبر ..
ولماذا تقولون إن أهل السنة والجماعة ينحصرون في الأشاعرة والماتوريدية رحمهم الله … وأبو حامد الغزالي رحمه الله يقول في إحيائه: "وعلى الجملة فالقرآن من أوله إلى آخره محاجّة مع الكفار، فعمدة أدلة المتكلمين في التوحيد قوله تعالى " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " وفي النبوة " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله " وفي البعث " قل يحييها الذي أنشأها أول مرة " إلى غير ذلك من الآيات والأدلة" وقال أبو حامد: " فمن فضل الله سبحانه على قلب الإنسان أن شرحه في أول نشوّه للإيمان من غير حاجة إلى حجة وبرهان ....نعم يكون الاعتقاد الحاصل بمجرد التقليد غير خال عن نوع من الضعف في الابتداء ... فلابد من تقويته وإثباته في نفس الصبي والعامي حتى يترسخ ولا يتزلزل، وليس الطريق في تقويته وإثباته أن يُعَلّم صنعة الجدل والكلام، بل يشتغل بتلاوة القرآن وتفسيره وقراءة الحديث ومعانيه، ويشتغل بوظائف العبادات فلا يزال اعتقاده يزداد رسوخًا بما يقرع سمعه من أدلة القرآن وحججه، وبما يرد عليه من شواهد الأحاديث وفوائدها، وبما يسطع عليه من أنوار العبادات ووظائفها، وبما يسري إليه من مشاهدة الصالحين ومجالستهم وسيماهم وسماعهم وهيآتهم في الخضوع لله عز وجل والخوف منه والاستكانة له" .
فهل يخرج هذا في تعليم الناس عن مدرسة أهل الحديث قيد أنملة …
واستدل الولي الصالح العارف عمرو بن عثمان المكي رحمه الله ( كما ينقل أبو نعيم في حلية الأولياء ) بتسليم الملائكة وتفويضهم على وجوب التفويض، وترك الخوض في كنه الصفات الإلهية الجليلة بقوله:
" . وما خبَّر (به) عن ملائكته إذ قالوا: " لا علم لنا إلا ما علمتنا " . عجزت الملائكة المقرَّبون أن تحدَّ أحسن الخالقين أو تكيِّفَ صفة رب العالمين، فهم خشوعٌ خضوعٌ خنوعٌ... فكيف تطمع يا أخي نفسُك أو تطلق فكرك في شيء من الاحتواء على صفة من هذا وصفه؟ وقانا الله تعالى وإياك اعتراض الشكوك، .... فبهذا فاعرف ربك ومولاك ومن لا تأخذه سنة ولا نوم ..
إننا بحاجة ( يا كل أهل السنة والجماعة ) إلى:
الحذر من الوقوع في فخ اللعبة السياسية القذرة التي تستعين بالعلماء على تثبيت دعائم الديكتاتورية المستكبرة المتسلطة على رقاب العباد في عالمنا الإسلامي ..
النزوع نحو الاستيعابية واجتناب الإلغائية … وقد قال الشعراني رحمه الله ( لا يكمل العارف حتى يرى نجاة الأمة الإسلامية كلها ) ..
الوقوف جميعا في صف المظلومين … فمن كان عاجزا عن الوقوف في وجه الظالم فلينأ بنفسه عن أن يكون من داعميه ومثبتي ظلمه واستكباره وطغيانه ..
ليست مشكلتنا فكرية بالدرجة الأولى أيها المسلمون … ولكنها مشكلة ( سذاجة ) حولت بعضنا إلى أدوات …
اخرجوا إلى ساحة حرة لا شبهة فيها … واجتمعوا بقلوب صادقة مخلصة … وستجدون عندها أننا في صف واحد.
أعلى الصفحة