الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ
23/9/2005
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
مهما أردنا أن تكون الدعوة عالميةينتشر النور من خلالها في الشرق وفي الغرب؛ إلا أن سنة الله سبحانه وتعالى تسيربنا إلى مُفَاصَلة.
هذه المفاصلة بين الحق والباطل تكونمقدمة - شئنا أم أبينا- لانتشار النور، ذلك أن استعدادات الخلق منها ما تجدهقريباً من الحق، يتخلى الإنسان فيها عن رعونات نفسه، ومنها ما يكون صعب المراس، فتجدالإنسان معها متمسكاً برعونات نفسه يقدم العاجلة، ويعمى عن غيرها.
وقد يشكل هذا أزمة نفسية عند بعضالدعاة، لكنَّ له من إرث إمام العالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نصيبا، وقدكان حريصاً على أن يؤمن جميع الناس، وكاد أن يزهق نفسه رغبة في إيمانهم، حتى أنزلالله سبحانه وتعالى:
(فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْحَسَرَاتٍ) [فاطر: 8]
وحتى أنزل عليه:
(طه، مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَلِتَشْقَى) طه:1[-2].
وحتى أنزل عليه:
(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىآثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) [الكهف:6].
نعم، إن الحرص على إيمان الناس يشكلوصفاً أساسياً عند الداعية، أما أن يتحقق لهذا الداعية من غير أن يكون هنالكمفاصلة مع من يتمسكون برعونات نفوسهم، ولا يقبلون الحق في حال من الأحوال، فهذامغاير لسنة الله سبحانه وتعالى.
وقد كنت في الأسبوع الماضي عرضت بعضالنصوص القرآنية التي تقدمت قبل قوله تعالى:
(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَالَّذِي يَقُولُونَ) [الأنعام: 33].
ورأيت أن النصوص التي بعدها تعالج وتكمّلوترفع الإنسان من حالة الإحباط وهو يدعو إلى الله ويرى أمامه تضليلاً وتشويهاًوقلباً للحقائق، ويرى أن الثوابت الإنسانية أصبحت تُقَدَّمُ بشكل مغلوط، وصارالمعروف فيها منكراً والمنكر معروفاً.
فجاء النص القرآني في سورة الأنعام معالجاوفيه يقول تعالى:
(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَالَّذِي يَقُولُونَ).
ثم أتى بكلام عظيم من خلاله يستطيعالإنسان أن يسير بالدعوة غير آبه بالعقبات التي تكون من حوله، فتارة تكون من البعيد،وتارة تكون من القريب، وتارة تكون من محاربٍ، وتارة تكون من مبطّئ.
(وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَنلَّيُبَطِّئَنَّ)[النساء: 72]
وقال الله سبحانه وتعالى بعدها:
(فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّالظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام: 33].
المبدأ ليس بشريا وضعياً، فلو كان هذاالمبدأ الذي يحاربونه وضعياً وضعه شرقي أو غربي.. وضعه ميكيافيلي أو ماركس.. لكانتالحرب موجهة لأولئك الواضعين، أما منهج الرسل فإنه منهج وضعه الله سبحانه وتعالىوبلّغه الرسل، فمعاداة هذا المبدأ تعني معاداة لواضع المنهج سبحانه وتعالى.
واليوم تدير الأفعى اليهودية العالم وتهيئالعالم كله، بحسب ما ترسم وتخطط، ليكون مطواعاً لإشارتها، ومن وراء الأفعىاليهودية المادية الغربية، فهي حرب معلنة على الإسلام واستعلاء يهودي في مقدمتهالصهينة، وخلف الصهينة تكمن فكرة شعب الله المختار، الذي من لوازمه: (لَيْسَعَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) [آل عمران: 75].أي لا يهمنا أحد في العالم لأنالعالم كله هو خدم لنا، والإسلام هو العدو الأول لتلك الأفعى اليهودية.
إذاً جاء النص أولاً ليطمئن أولئكالذي ثبتوا على طريق الحق وكانوا متَّبِعين لا مبتدعين، وكانوا متمسكين بثوابتهملا مخترعين.
جاء هذا النص ليخاطب هذا الصنفالمتمسك بالحق ليقول له أنت في صف الحق والذي يعادي صف الحق فإنه يعادي الله.
(فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّالظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ)
ثم جاء بعدها بذكر النموذج والأسوةحتى تترسخ الثقة بسنة الله سبحانه وتعالى في القلوب، ويفهم الداعية أنه أنموذج، فإنهو تأسى بالنماذج التي سبقته، فسنة الله سبحانه وتعالى فيهم جميعا متكررة.
(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّنقَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ) [الأنعام 34].
إنه عنصر الصبر على الحق، والمغرياتكثيرة، والمرهبات كثيرة، والصبر يعني التبني، والصبر يعني ثباتاً، واستقامة، والصبريعني حالاً مع الله، ويعني إصراراً على التغيير، والصبر يعني تحملاً للمشاقوالمصاعب في كل الظروف، مهما تغيرت تلك الظروف أو طرأت الطوارئ فلابد من الثبات.
الحال اليوم لا تسمح أيها الإخوة بالتقوقعفقد انتهى وقت التقوقع، ولا تسمح بالفردية، فقد انتهى وقت الفردية، واللاعبونالذين يلعبون بثوابتنا كثير، ونحتاج إلى الصف الواحد الذي فيه اليقظة، و فيهالصبر، و فيه الاستقامة، وفيه منهج الرسل عليهم الصلاة والسلام.
(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّنقَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا)[الأنعام: 34]
إنها سنة الله المتكررة، أن يوجد منيؤذِي، ويوجدَ من يؤذَى، فيصبر ويتمسك بالحق.
(حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا) لتكونالعقبى للمتقين.
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَالِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُلِلْمُتَّقِينَ)[القصص: 83]
(وَلَقَدْكَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَاعِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) [الأنبياء: 105].
هات صلاحاً وخذ وراثةً للأرض، وإذاأردنا تغيير الأرض، هاتوا نماذج صالحة فإن وراثة الأرض تنتظركم، وإن التغيير يأتيمن أوسع أبوابه، أما مع الفساد فلا، وأما مع الانحراف فلا، وأما مع زيغ الاعتقادفلا، وأما مع الاعوجاج السلوكي فلا.
(وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّنقَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَاوَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ) هي سنة الله الثابتة التي لا تجد لها تبديلاًولا تحريفاً ولا تحويلاً.
( وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِالْمُرْسَلِينَ).وجاء في كتاب الله سبحانه وتعالى خبر ما فعل الله بالأمم التي كَذّبت.
والرواياتُ النبوية التي تتحدث عننصر الإسلام وظهور النور، تتحدث عن أحداثٍ كونية مصاحبة، فتكون الزلازل والحوادثالكونية العنيفة التي تقلب الموازين.
أحاديث كثيرة عن الحبيب المصطفى صلىالله عليه وسلم تؤكد أن سنة الله سبحانه وتعالى التي كانت فيما مضى ستكون فيمايأتي، لكن أين الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوامِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ) [النور:55].
أين مفهوم (آمنوا) الذي يعني تعلقاًبالغيب!؟
وأين مفهوم (عملوا الصالحات) الذييعني ثباتاً على الاستقامة!؟..
ولقد رأى العالم ما فعل إعصارٌ صغير،وما كان إلا ذكرى؛ فالحرب لم تبدأ بعد، ولئن توهم باغ أو معتد أنه يفعل في ملكالله ما يشاء وأنه يعتدي ويبغي، ولا محاسب يحاسبه فإنه متوهم.
قال المصطفى صلى الله عليه وسلم:
(الله، الله في من ليس له إلا الله).
أليس هذا هو واقع أمتنا اليوم!؟.
تخلى عنها الجميع، واجتمعوا علىمائدة وقصعة، ولا يوجد من ينصر المسلمين، ولا من ينصر إسلامهم، ولم يعلن إلى الآنمعنى الإرهاب لأنه مخبأ ليقال في يوم من الأيام، أنه الإسلام في منظورهم.
لو أننا وثقنا بالله سبحانه وتعالىوحسنّا أحوالنا، وصححنا سلوكنا.. فلا شك مع اجتهادنا وبذل السبب واستفراغ الطاقةأن الله سبحانه وتعالى يُخرج جنوده.
(وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلاهو) [المدثر: 31]
فالسماء من جنوده، والأرض من جنوده،لكنْ نحن مدعوون إلى التغيير فينا أولاً، لا أن ننتظر أخبار الأعاصير.
(وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَإِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْسُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ) [الأنعام: 35].
لن يكون ذلك سبباً في إيمانهم.
نحن نحاول ونبذل الجهد، ونعرِّفهم بالإسلامونقول لهم: إن الإسلام يغير الإنسان، ليجعل منه إنساناً على الحقيقة.. وهذه هي قيمالإسلام.
لكنك ترى مع كل هذا رؤوساً تتمسك بماتطلبه النفوس غير آبهة بالمبادئ، لأن تقديم المصالح على المبادئ أصبح ديدن الرؤوسفي هذا الزمان، والله سبحانه وتعالى قال في موضع آخر:
(وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّيُؤْمِنُواْ بِهَا) [الأنعام: 25].
وحكى لنا من قالوا:
(وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِمِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) [الأعراف: 132]..
مهما قدمنا الطرح المنطقي، ومهماجعلنا خطابنا متناسباً مع الآخر، فثمة من يتمسك بالمصالح، ويعرض إعراضاَ تاماً عنالمبادئ.
وظيفتنا أن نقدم الدعوة بالأسلوبالأمثل، فهو فرض من الله علينا، لكن لا يعني هذا أن العالم سيدخل في الإسلامبدعوتنا، ولا يعني أن الرؤوس التي تسيِّر حركة المادة في العالم ستدخل في الإسلام.
واليهودية الآن تنشر في هذا الوقتأكاذيبها في أمريكا وتقول لهم: إن الأعاصير التي تأتي هي غضب رب العالمين عليكم،لأنكم أيدتم الانسحاب من غزة.
هكذا تشوه الحقائق، فاللص حين يعيدقطعة مما سرق يقال لمن أيده غضب الله عليك، لأنك وافقت ذلك اللص على إعادة شيء مماسرق.
هذا هو الواقع، وهذا هو الإعلام، وهذههي حركة الأفعى اليهودية.
وحتى لا يتجاوز الإنسان قدره، قال سبحانهوتعالى:
(وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْعَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [الأنعام: 35].
ما عليك إلا أن تدعو، وما عليك إلاأن تبين الحق، فلا تلتفت، إنهم أصروا على الإعراض.
ربنا سبحانه وتعالى قال في موضع آخر:
(وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّالْفَاسِقِينَ) البقرة: 26. أي فسقوا فأضلهم.
وقال:(وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنيُنِيبُ) الشورى: 13
فالذي يُقبل عليه ويتخلى عن رعونةنفسه يهديه، لكنهم أصروا على التمسك برعونات النفس.
(وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْعَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ)
وكأنه سبحانه ينشر لك مشهداً أزلياًويقول لك لا تلتفت إن هم كانوا على طريق الضلال معاندين معارضين فهذه سنة الله.
(إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَيَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)[الأنعام: 36]
إن الذي يسمع يستجيب لكن الذي لايسمع لا يستجيب و السماع هنا مقصود به: الانقياد, والانتفاع.
(إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَيَسْمَعُونَ)لكنهم لا يسمعون.
(وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْأَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ) [الأنعام: 25]
(كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِممَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين:14]
(وَالْمَوْتَى) أي الذين هم في حكمالموتى, صمٌ بكمٌ, معطلة حواسهم عن الإصغاء والانقياد للحق, قد أعمتهم الماديةوأخرستهم عن الحق وأصَمَّتْهم, فلم يعد عندهم استعداد لقبول الحق من أي وجه.
(والموتى) الذين هم في حكم الموتى(يَبْعَثُهُمُاللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُون)فهناك سيفهمون..
فيجب أن يفهم الدعاة أن في المدعوّينمن هم في حكم الموتى..تُوقظهم فلا يستيقظون.تُثير فيهم الإحساس, لكنهم لايأبهون.قد استولت المادة على قلوبهم, فعميت تلك القلوب.
(وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَعَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ) [الأنعام: 37] إنه الإشغال.
أعطونا أدلتكم.., فربما نسمعها لكنالله سبحانه وتعالى يُنبِّهنا إلى أن هذا إنما هو مجرد إشغال؛ وليس هو للوصول إلىالحق.
وما أكثر الذين يشغلون الناس بالقيلوالقال؛ دون أن يكون هناك أي جدوى.
وأجاب الله سبحانه وتعالى, تريدونآية دالة على الحق:
(قُلْ إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أَنيُنَزِّلٍ آيَةً) فمن حيث الإمكان يمكن لله سبحانه وتعالى أن يُشهد الناس خوارقالعادات الدالة على الحق, وهو قادر على ذلك.
(وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَيَعْلَمُونَ) [الأنعام: 37]
(ومَامِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِوَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم) [الأنعام: 38]
ألا تشهدون تلك الآيات التي تمر أمامعيونكم, والتي تدل على الحق أمامكم؟.
أما ترون الطيور كيف تطير؟.
من آن لآخر نسمع أن طائرة سقطت, وماسمعنا أن طائراً سقط! هذا صنع الله.
ما سمعنا أن محرك الطائر قد تعطَّل!فالطائر لا يسقط, لكن الطائرة تسقط!
أما شهدوا كيف يكوِّن الله في اليومملايين الطيور!!
فهل عدد الطيور التي يكونها اللهويخلقها هو بعدد الطائرات التي تصنع!
(ومَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ) تمشيعلى الأرض
(وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُبِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم) ألا ترون كل هذه الآيات التي تدل على اللهسبحانه وتعالى خالقها وبارئها, فماذا تطلبون آية أكثر من ذلك!
(مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنشَيْءٍ) (ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ)
أمر علمناه في الأزل, ثم أظهرناهإظهاراً ليس معه لبس ولا خفاء.
هذا الكتاب الأزلي الذي يُخبر عنالآتي, وهذا الكتاب المنهج, الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا ويفصلها, ويبيِّن مايحتاج الإنسان منها.
فأنت أمام آيات تقرأها في الأكوان,وأمام آيات تقرأها في القرآن, وتريد بعدها آية؟ وتريد بعدها دليلا على أن الإسلامهو المنهج الذي يُنقذ الإنسانية؟
ثم بيَّن سر إعراضهم, الذي جعلتهعنوان البحث, بقوله سبحانه:
(وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَاصُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ) فهذا هو سر الإعراض, أنهم في حكم الموتى.
(وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا)شرقاً وغرباً..
(وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا)في بلادنا..
(وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا)في أقصى العالم..
(وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا)بأي لون من ألوان التكذيب...
(صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ)فيحكم الموتى.
(مَن يَشَإِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنيَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الأنعام: 39]
ثم قال سبحانه:
(قُلْأَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ)
يا أيها المُعرضون, يا أيهاالمكذبون, يا أيها المعاندون, يا من يتمسك بالمادة, يا من يتمسك بالمصالح معرضاًعن المبادئ:
(قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْعَذَابُ اللّهِ) العاجل.
(أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) الآجلة.
(أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنكُنتُمْ صَادِقِينَ , بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ)
عندما تحل المحن؛ تجد الرؤوس يقولونللناس: تضرَّعوا!
حتى فرعون وقومه لجؤوا إلى موسى عندالبلاء, وقالوا:
(يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُلَنَا رَبَّكَ) [الزخرف: 49] فعندما يضيق الكرب؛ يلتجئون إلى الذين لم يكن لهم أياعتبار في الماضي عندهم.
(بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُمَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) [الأنعام: 41] لأنالاستعداد خبيث.
(وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍمِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ,فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا) [الأنعام: 42-43]لو أنهم حين يرونجنود الله يتعظون.!
(فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْوَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْيَعْمَلُونَ) [الأنعام: 43]
(فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْبِهِ) أي لم تعد المذكرات موجودة, فقد أُخرس الدعاة, وتأخرت الآيات الصارخةالكونية.
(فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْبِهِ) فلم يعودوا يسمعون تذكير داعية, ولا تذكيراً كونياً ربانياً.
(فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَكُلِّ شَيْءٍ) فأي شيء تريده, وأي شيء تحلم به من المادة؛ يكون عند قدميك. من كلأنواع الرفاهية.
وأعتقد أن هذه البلاد: بلاد الشام,من البلاد التي خصَّها الله سبحانه وتعالى بالبركة, والتي لا ينالها نسيانالتذكُّر, فيهئ الله في كل زمان لهم مذكرات قولية وفعلية.
(حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَاأُوتُواْ) وأصبح العالم في قبضتهم.
(أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُممُّبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِرَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 44]
فالثناء في مثل هذا هو على الله.
أيها الأخوة الأحبة:
إننا مدعوون إلى وقفة صادقة معأنفسنا.
ومدعوون إلى مراجعة جادَّة, فلا يكفيأن نتحدث عن إصلاح إداري, وإصلاح سياسي, وإصلاح مالي..
إذ لابد من مراجعة نلتزم فيها منهجالله.
لابد يا إخوتي من توبة صادقة. ولابدمن إقبال على الله.
فلعل جيلاً فيه الصفاءُ والصلاحُيظهر, وبظهوره يكون التغيير.
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً,واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول واستغفر الله.
أعلى الصفحة