الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
الصحبة المتماسكة
Al Adiliyya Mosque, Aleppo جامع العادلية - حلب
30/9/2005
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
إن خيرَ ما يتهيأ به الإنسان لدخولشهر رمضان هو طهارة الباطن .(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أنيدع طعامه وشرابه)
وكما يدخل أحدنا إلى الصلاة بالوضوء،علينا أن ندخل إلى شهر رمضان بطهارةٍ باطنة تزيح كل لوثة من حقد أو غل أو حسد... تزيحالنفوس جانباً. وتجعل الإنسان يدخل شهر رمضان بروحه بعيداً عن رعونات النفوس.
أيها الإخوة الأحبة إننا بحاجة إلىتماسك وتحابب ووحدة صف، فالأزمات التي تمر بها بلاد المسلمين عصيبة.
ألم يقل ربنا تبارك وتعالى :
(إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةًوَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء :92].
إنه سبحانه وتعالى يلغي بذلك النفوسويوجه القلوب وجهةً واحدة إلى المعبود الواحد الذي لا إله إلا هو، ولا تكون هذهالصورة أبداً إلا حينما نحيِّد النفوس، ونضعها جانباً ونتوجه بقلوبنا وأرواحنا إلىالله سبحانه،وفي هذه الحال سنتحد ونكون صفاً ونُقبل عند الله سبحانه وتعالى.
وقد قال أهل المعرفة والتحقيق إن بابالله تعالى مع كونه واسعاً لكل من أقبل عليه لكنه ضيق على أصحاب النفوس، فلا يُردُّعنده إلا أصحاب النفوس.
وقال ربنا سبحانه :
(وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ) البقرة: 43.فهو سبحانه وتعالى يريدنا جماعة متماسكة، وصفاً واحداً متوجهاً بركوعه وخضوعهووجهته إلى الله سبحانه.
(وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ):يخرجنابها عن الأنانية والفردية ، ويخرجنا عن نفوسنا، لأن الركوع مع الراكعين يعني عدمالتميز، فلو أنه ركع وحده لربما كان يشار إليه ، لكنه سبحانه قال : (وَارْكَعُواْمَعَ الرَّاكِعِينَ).
فالركوع والخضوع لله سبحانه فيالجماعة يتنافى مع التميز الذي تطلبه النفوس. إننا بحاجة أن نصلح ذات بيننا، وأننمحو كل نوع من البغضاء.
أخرج أبو داود عن أبي الدرداء قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصياموالصلاة والصدقة قالوا بلى يا رسول الله قال إصلاح ذات البين)
أفضل من الصيام وأفضل من الصياموأفضل من الزكاة!
إصلاح ذات البين يعني محو البغضاء، فلايكون في قلب المؤمن بغضاء أو حقد، ثم قال صلى الله عليه وسلم:
( وفساد ذات البين الحالقة) أي أنَّالذي يتمسك بالبغضاء المفرقة للناس يحلق دينه، لأنه ورد في روايات أخرى:(لا أقولتحلق الشعر ولكن تحلق الدين).
فالبغضاء تفرق المسلم عن المسلموتبعد المؤمن عن المؤمن فتحلق الدين.
فما أحوجنا إلى تماسك تمحى فيهالبغضاء، لاسيما وأننا نتهيأ لدخول هذا الشهر العظيم.
ما أكثر ما يعتدي أحدنا على أخيه ويبغيعليه ، ثم هو لا يعترف ببغيه عليه ، وينسب الحق إلى نفسه وحده، لكن الذي يخرجه منهذا البغي هو إيمانه الصادق وعمله الصالح .
قال تعالى : (وَإِنَّ كَثِيراً مِّنْالْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ) [ص: 24] الذين يختلط بعضهم ببعض يكون بينهم بغيوعدوان . (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) [ص:24] .
المتحققون بالإيمان، والعمل الصالحوفق شريعة الله سبحانه، وسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
الاستقامة في الظاهر، والإيمان الذييملأ القلب نوراً في الباطن، يمنعان الإنسان أن يبغي على أخيه.
( وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ).
كما قال في آية أخرى :
(وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)[سبأ : 13]
إذا لم نتماسك يا إخوتي في مثل هذهالأوقات، ونجتمع على الخير، وإذا لم يعضد بعضنا بعضاً فلن تقوم لأهل الحق قائمة، فنحنفي أزمات شديدة تعاني منها بلادنا خاصة وبلاد المسلمين عامة.
وقال ربنا سبحانه وتعالى:(وَتَعَاوَنُواْعَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى) [المائدة: 2].فكيف نجسد هذا تطبيقاً وواقعاً سلوكياً فيحياتنا ؟
وكيف يتعاون المؤمن مع أخيه إن كانيحمل في نفسه ما يحمله عليه، وإذا كان لا يخرج عن رعونات نفسه إلى روحانيتهالصفائية؟.
أخرج البخاري رحمه الله عن أبي موسىالصحابي رضي الله عنه :
عن النبي صلى الله عليه وعلى آلهوصحبه وسلم:
(إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضهبعضاً وشبك أصابعه صلى الله عليه وسلم ).
هذه هي الصحبة المتماسكة التيصورتها: ( وشبك أصابعه.)
الصحبة المتماسكة هي التي يكونباطنها صفائياً و ظاهرها تعاوناً؛ فالظاهر تعاون والباطن صفاء، لا يسمح المؤمن لشيءيجد من خلاله على أخيه أن يدخل في قلبه، ولا يسمح لنفسه أن يتأخر في ساحة العمل وخدمةدين الله سبحانه وتعالى عن التعاون.
فإذا أردنا أن ندخل بالقبول في الشهرالمبارك ينبغي أن تكون ظواهرنا تعاوناً على جميع الأصعدة، وبواطننا روحانية وصفاءتنتفي فيه رعونات النفوس.
وتأييد الله يا إخوتي لا يكون إلابهذه الصحبة المتماسكة، والنصر لا يكون إلا بهذه الصحبة المتماسكة ألم يقل ربناسبحانه وتعالى :
(هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِوَبِالْمُؤْمِنِينَ)[الأنفال : 62]
فتأييد الله سبحانه وتعالى تظهرآثاره في أرض الواقع حين نرى المؤمن مع المؤمن متعاوناً في الظاهر ومحبا فيالباطن.
وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم للأنصار:(إنكم تكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع.)
وما أروعها من عبارة تكون منهجاً لناأيها الأخوة الأحبة!
يا أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليهوسلم, ما أروعه من منهج!
(إنكم تكثرون عند الفزع) تكثرون فيتأييدكم, وتعاونكم عند الشدائد.
(وتقلون عند الطمع.) فإن وجدت المطامع المادية أعرضتم عنها؛ لأنطمعكم هو في جنَّة عرضها السماوات والأرض.(وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)[الأعلى: 17]
فحين يتعلَّق قلب الإنسان بالله وبماعند الله، يقِل طمعه بالفاني.
(إنكم تكثرون عند الفزع) فكانالأنصار رضي الله تعالى عنهم مظهر التعاون, ومظهر التأييد, ومظهر الصحبة المتماسكةفي الشدائد.
ونحن اليوم في الأزمات والشدائد, وماأحوجنا إلى هذه الصحبة المتماسكة!
(تكثرون عند الفزع) أي عند الشِدةوالأزمات.
(وتقلون عند الطمع.) حينما توجد المصالح, والمطامع؛ لا نجد أحداًمنكم.
هكذا يا إخوتي نستطيع أن ندخل شهرالصوم, وشهر القيام.
قولوا بالله عليكم, هل ينظر اللهتعالى إلى قائم يقف في صلاة التراويح وقلبه مليء بالأحقاد؟
هل ينظر الله سبحانه وتعالى بالقَبوللمن امتلأت نفسه بالشحناء؟
لا يا إخوتي, أبداً.
إن الله سبحانه وتعالى قرَّب لنا المعنىحين قال:
(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَاتُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) [النور: 22]
فالله سبحانه وتعالى ينظر إلى المتوجهإليه, ولا ينظر لمن اشتغلت نفسه بالخلق وبعلائق الخلق, وبعداواتهم, وبالبغضاء لهم.
علينا يا إخوتي أن نتذكر بعض توجيهاترسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتهيأ لدخول شهر رمضان.
أخرج الإمام أحمد عن معاذ بن جبل,الذي أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول: قال الله عز وجل:
(وجبت محبتي للمتحابين فيَّوالمتجالسين فيَّ والمتزاورين فيَّ والمتباذلين فيَّ)
هكذا تكون محبتنا لله, ويكوناجتماعنا لله, ويكون تعاوننا لله, ويكون بذلنا لله, وتكون صحبتنا المتماسكة لله.
نتذكر حديث رسول الله صلى الله عليهوسلم, يوم أن جاء إليه جابر بن سليم, يقول له: يا رسول الله أوصني..
فيقول له(لا تَحْقِرَنَّ مِنَالمَعْرُوفِ شَيْئاً، وَلَوْ أنْ تَلْقَى أخاكَ ووَجْهُكَ مَنْبَسِط)
اللهم ردَّنا إليك رداً جميلاً,واجعل محبتنا فيك, وهيِّئنا لدخول شهر رمضان بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين, واكتبلنا فيه التوفيق والقَبول.
وآخر دعواهم أن الحمد لله ربالعالمين.
أقول هذا القول واستغفر الله.
أعلى الصفحة