الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
لا تتجاوزوا أصحاب الثقافة الإسلامية
17/6/2005
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
بسم الله الرحمن الرحيم:(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَاأَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَىإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَىوَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا *وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْعَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا * رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَوَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِوَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا*لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَإِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِشَهِيدًا) النساء: 163-165.
إنه عَرْضٌ يعرض ربنا سبحانه وتعالى فيه تاريخ الإنسانيةمنذ مبتداها إلى منتهاها وقد كانت في كل زمن تسمع توجيه الله سبحانه وتعالى، وتشريعهالذي ينظم حياتها، ويهذب سلوكها، وأتبع ذلك بشهادة الملائكة، ثم قوَّى ذلك حينبيـَّنَ أن هذا المنهج أنزله بعلمه أي أنه ينقل عن علم الله، وجعل ذلك كله بمثابةشهادة مجازية في مقابلة الشهادة الحقيقية التي هي شهادة الله.
(لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَأَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا)
وبعد هذا النص ببضع آيات قال: (يا أيها الناس)بخطاب عام لايستثني منه أحداً:
(قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْفَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ) النساء: 170
فالتشريع الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم، لا يقفعند مجرد العبادة كالصلاة والصيام والزكاة والحج، بل يدخل إلى تفاصيل المعاملة،وينظم المجتمع، ويعطي تفصيلات دقيقة يحتاجها كل فرد أو مجتمع...
لكنَّ المادّية التي تهيمن اليوم على العالم بقوتها ومادتها،ولا تستطيع أن تهيمن على القلوب والعقول، تريد أن تفرض مبادئها بالقوة فيما يسمىاليوم بالعولمة، وتتستر بستار الديمقراطية...
فحينما تقف أمام أصحاب الثقافة الربّانية الإسلامية، تقوللهم: (الديمقراطية مصدَّرة للعالم باستثناء)
فكل من لا مس عقلُه شيئاً من هذه الثقافة الكاملة المرنةالمتطورة الشاملة، الشمولية التي أنزلها الله سبحانه تعالى؛ فهو مستثنى منالديمقراطية.
ويا عجباً !
يا عجباً حينما يصدر ذلك باسم الديمقراطية.
والأعجب حينما يُسمع هذا في البلاد الإسلامية!
فلئن كان عجيباً ذلك التناقض بين من يتحدثون عن الحريةوالديمقراطية ويقولون للناس: ديننا الديمقراطية..فالأعجب منه أن تتبنى حكوماتالبلاد الإسلامية ما يُصدّر إليها من غير تأمل، أو تدّعي أنها مكرهة على ذلك.
إذاً فأين كرامة الإنسان!؟
لماذا أحيا إذا كنتُ أنقاد!؟
لماذا أحيا إذا لم يكن لي هوية تعبِّرُ عن إرادة!؟
وهكذا نسمع اليوم شرقاً وغرباً في عالمنا الإسلامي وفيبلادنا ترديداً لكلمات الديمقراطية، ووعوداً بالديمقراطية (باستثناء).
هذا الاستثناء يقول: ينبغي على أصحاب الثقافة الإسلامية المتأثرينبما تنـزل من علم الله الذي تحدث في إدارة الاجتماع، وتحدث في إدارة الاقتصاد، وتحدثفي إدارة السياسة، وتحدث في كل جزئية من جزئيات الحياة...
هذا الاستثناء يقول لهم: إن عقولكم ينبغي أن تكون مبعَدة ،فالديمقراطية هي للعَلمانيين الذين يعلنون صريحاً أن عقولهم طاهرة من علم الله!!
كما قالوا قديماً:
(أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌيَتَطَهَّرُونَ) النمل: 56
وطالما أن أبواب الديمقراطية كما يقولون تفتح؛ فلابد أن نعبِّرعما يجيش في بواطن عالمنا الإسلامي.
نعم ... إن هنالك من أخطأ في فهم الإسلام، وأخطأ في فهمالمنهج.
إن إسلامنا عَلَّمَنا أن نرفع شعاراً يقول:
(فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) الكهف:29
إسلامنا علّمنا الاعترافَ بالآخر لنقول له: (لا إكراه فيالدين)
والذين تطرفوا وشذّوا فأرادوا أن يفرضوا ثقافتهم الإسلامية علىالعالم بالقوة يماثلون مفهوم العولمة لكن باعتبار آخر.
ألم يسمعوا: (ويا أهل الكتاب تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍسَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) في رسالة رسول الله التي اقتبسها من القرآن وخاطبفيها هرقل.
وقال الله تعالى:
(لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْيُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَنتَبَرُّوهُمْ) الممتحنة: 8.
هذه هي ثقافة الإسلام، إنها ثقافة الإحسان إلى الآخر الذي خالفكفي الدين، وخالفك في الثقافة، لكن الله يأمرك إن هو لم يقاتلك أن تحسن إليه..
هذه هي ثقافة الإسلام..
فلماذا يُمنَع أصحابُ هذه الثقافة أن يقفوا من خلال الهيئاتالرسمية ليقولوا ما يجيش في قلوبهم.. وليعبروا من خلال الديمقراطية.
هل على أصحاب الثقافة الإسلامية حتى يكونوا مقبولين أن يخرجوامن جلودهم.
والآن يُقال: (سيفتح باب الأحزاب.. وستبدأ التعددية الحزبية..(باستثناء)من أرادوا أن يشاركوا في الديمقراطية وعقولهم متأثرة بالثقافة الإسلامية، فهؤلاءرجس يجب تجنبهم).
ماذا عليهم حتى يتطهروا من هذا الرجس؟
هل هذا هو المعبر عن الديمقراطية؟
الإسلام هو إمام الديمقراطية في الحقيقة لو كانوا يفهمون..
نعم .. إننا على استعداد أن نقف يداً واحدة معهم في معاداةالمتطرفين الذين لا يعبِّرون عن منهج الإسلام, لأننا نعتبر أنهم يشوهون صورتناويشوهون صورة الإسلام.
لكن هذا الطرح الذي يطرحه العَلمانيون اليوم؛ طرحٌ لا أدريأهو عن جهل بالإسلام, أم أنه من باب إثارة الشباب دونما تَعقُّلٍ أو دراية.
ماذا سنصنع؛ ونحن الذين نريد أن نحافظ على وطننا ومجتمعناإذا رأينا الشباب ينفعل ويقول لنا: قد أُسكتنا.. ولا يسمحُ لنا أن نُعبِّر..
مُنعنا من الإعلام.. ومُنعنا من الكلمة.. ومُنعنا من كلمنبر.. وساحة يمكن أن نقف فيها..
ماذا نقول لهم؟
هل نقول لهم: اخرسوا..اسكتوا..
ونحن الذين نريد أن نبني وطننا, وشبابنا..
ماذا نقول لهم؟
إنَّ أيَّ داعية، وأيَّ حكيم عاقلٍ، وأيَّ عالمٍ، لا يقدرعلى ضبط الشباب, لأنه لن يمارس عليهم الاستبداد.... وستنفلت الأمور..وسنقع في حالةمن التعبير الفوضوي عن الكبت..
إنني لا أقول هذا.. يا من يسمع في المسجد وخارج المسجد, ويامن يسمع في العالم بعيدا وًقريباً.. لا أقول هذا إلا من باب الرغبة في سلامالعالم..ولا أقول هذا إلا رغبة في طمأنينة العالم.., وطمأنينة البلاد.. واستقرارها.
وإذا توهم من يملك مقاليد الأمور أن القوي يستطيع أن يملي مايشاء على الضعيف, فهذا خطأ.. لأن التاريخ يثبت عكس ذلك, والقوي على الحقيقة هوالله.
وعلى كلٍ, لن أكون مثالياً, وسأراعي ظرف الذين يقولون: نُعانيمن الضغط الخارجي..
ولن أتجاوز الواقع, وسأتحدث من أرض المحبة لأقول:
أولاً - إن كنتم تريدون أن يترك أصحاب الثقافة الإسلاميةفكرة الأحزاب, لماذا لا تسمحون بتشكيل هيئة استشارية من الحكماء والعقلاء والعلماءالذين يفهمون الإسلام والثقافة الإسلامية, لتكون هيئة حوارية, استشارية, تُحاور, (ولاتملك من السلطة التنفيذية, ولا من السلطة التشريعية شيئاً) , وتكون هيئة شعبيةمدنية مُنتخبة.
إنني أخجل حين أرى الوظائف الدينية يعيَّنُ أصحابها تعييناً..
أخجل في مجتمع يسعى إلى الديمقراطية أن تكون الوظائفُالدينية وظائف لا ينتخبها أهل العلم..
وفي بلادنا كان منصب الفتوى يُنتخب من قبل العلماء..
لكن دعونا ونحن نبني مجتمعنا الجديد نتحدث بصراحة, وبوضوحٍ,وبمحبة, من غير عدائية..
لا تنظروا إلينا على أننا أعداء لكم, وانظروا إلينا علىأننا نريد أن نبني معكم الوطن.
لماذا لا تُشكَّل هيئة استشارية تُنتخب من أهل العلم, تُحاوِرُ,وتَنصح, ولا تكون معينة من الجهات الرسمية, لأنَّ ذلك يلغي دورها.

ثانياً: إن كان أصحاب الثقافة الإسلامية ممن حُظر عليه أنيدخل في سلك الأحزاب التي يعدون بها, لماذا لا نفتح المجال لتشكيل اللجانالإصلاحية, وهي لجان في المجتمع المدني, فيها العلماء والمثقفون الذين يمارسون دورالتثقيف, ودور النصح؟
لا يمكن أن نخرج من هذه الفوضى.. فوضى المثقفين.. وفوضى طلبةالعلم, إلا باللجان.
هل تريدون لجاناً غير معلنة؟ ... نحن لا نريدها لأن اللهتعالى أمرنا بالوضوح..
وحينما لا تشكل هذه اللجان الإصلاحية المعلنة في مجتمع مدني؛من غير مشاركةٍ في السلطة؛ بل بصلة بالشعب والأمة, لن تكون النتائج حسنة، فمجتمعنايحتاج إلى إصلاح..
القوانين لا تُصلِح واقع الرِشوة.. والسرقة.. والغش
فالذي يصلحه هم أصحاب الصلاح، وإذا بقي هؤلاء يعملون فيحالة فردية وإذا تجمعوا قيل لهم: أنتم ممنوعون من التجمع...
ممنوعون من الأحزاب، وممنوعون من التجمع وممنوعون من اللجان...
ماذا سيحصل بعدها ؟.
الشعوب مهما شُلّت سيأتي وقت تتحرك فيه مهما طال وقتُشللها.
لكن دعونا نسبق الوقت.
اسمعوا هذا كنصيحة نقدمها لهذا البلد وللبلاد الإسلاميةالأخرى ، فليس عدونا في الحقيقة من يقطن وراء المحيط، إنما عدونا أنفسنا، فنحن لانعرف – مع الأسف - كيف تصنع الحضارة، وكيف تصنع النهضة.
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً واجعلنا ممن يستمعون القولفيتبعون أحسنه أقول هذا القول وأستغفر الله.
أعلى الصفحة