الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا
10/6/2005
 
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
لئن كانت شعوبنا وحكوماتنا ورجالاتنا يطمعون في تقدمأحوالنا وتطورها لنخرج من الواقع المرير فإن ذلك يقتضي أمرين اثنين:
1- لن تخرج بلادنا مما هي فيه من غير إعانة إلهية
2-ولن تخرج من غير تغيير في الأوصاف.
- واقعنا المرير بكل أبعاده على مستوى الداخل والخارج لنيتغير من غير إعانة إلهية لأننا كدنا أن نكون من كالأموات، وإن شئت فاجزم وقل صرناأمواتاً، ولا يحيي الميت إلا الله.
ولن تتغير أمورنا وأحوالنا من غير تغيير في الأوصاف.
هذا التغيير في الأوصاف بعد الإعانة الإلهية أشار إليهالقرآن الكريم في مثال ينبغي لنا أن نفهمه.
نحن اليوم نبتعد يوماً بعد يوم عن حقائق الغيب التي هي حقلا ريب فيه نثق بها أكثر مما نثق بما في أيدينا.
حين يأتي الخبر المدلل بالأدلة على ما وراء الجدار، لا ينكرما وراء الجدار من غير المرئي إلا غبي جاهل.
ولئن كان بيننا وبين الغيب جدار التكليف؛ فإن محمداً صلىالله عليه وسلم نقل لنا الخبر عما وراء الجدار.
وحينما نعمى أو نتعامى نقلد النعامة التي تضع رأسها فيالرمل كي لا ترى متوهمة أنها بذلك تستطيع تجاوز الواقع والحقيقة.
النص القرآني الذي أشير إليه، والذي يتحدث عن هذين الأمرين،نصٌّ في سورة الأعراف، يقول الله سبحانه وتعالى فيه:
(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْرَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍفَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَنُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُنَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًاكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) الأعراف: 57-58.
إنه مثال ينبغي أن تستفيد منه المجتمعات الميتة التي لاحراك فيها ولا حياة فيها ولا نهضة فيها...
فيها شعارات رنانة، فيها و وعود كثيرة، لكنها تعيش حالةالتخبط.
إنه البلد الميت الذي يقدم القرآن بمثال حي أنموذج إحيائه.
وتجدون في هذا النص أمرين :
1- إغاثة ربانية وإعانة إلهية : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَبُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاًسُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ) فجاء تأييد الله سبحانه وتعالى وعونه إحياء لهذاالبلد الميت، (فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِكَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
نرفع أيدينا بالدعاء ونقول يا رب انصرنا...
نرفع أيدينا بالدعاء ونقول يا رب أهلك أعدائنا....
نرفع أيدينا بالدعاء ونقول يا رب بدل أحوالنا..
2 - لكن هناك أمر آخر يذكره النص القرآني يتعلق بوصف الأرض،التي تنـزل إليها التأييد.
طلبت الإعانة فأتت الإعانة لكن الإعانة لم تصادف استعداداً ولمتصادف وصفاً يتناسب مع هذا الغيث ومع هذه الإعانة.
فإذا جاءت الإعانة فوجدت أرضاً طيبةَ الوصف أنبتت النباتالطيب فتحول البلد الميت إلى بلد حي.
وإذا نزل الغيث فلم يصادف إلا أرضاً خبيثة، ولم يصادف إلاأوصافاً خبيثة في تلك الأرض، فإن الإعانة مع تنـزلها، أي مع تنـزل الغيث، يبقىالبلد الميت ميتاً.
فهل فهمنا يا أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟.
هل فهمنا أننا سنبقى كل يوم نفتح آمالاً ووعوداً ونبقىبعيداً بعيداً عن التغيير؟.
هل فمنا أن البلد الميت لابد لتغييره من أمرين:
1- الثقة بالله .. الإيمان.. أن نعلم أننا عبيد الله .. أننعلم أنما كل الكون إنما هو بقبضة الله .. أن نعلن عبوديتنا، أن نعلن أننا لابحولنا ولا بقوتنا نغير، إنما نغير بحول الله وقوته.
أما رأينا ذلك الحاكم الذي وصفه القرآن الكريم مادحاً،وأخرج لنا تفصيلات في سيرته.. إنه ذو القرنين، ذلك الرجل الذي حكم الأرض، وقالالله سبحانه وتعالى فيه:
(إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنكُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) الكهف:84
فكان مؤيداً من الله تعالى وكانت الإعانة الإلهية حاضرة تساعدهوتعينه، لكن قال الله تعالى بعدها:
(فَأَتْبَعَ سَبَبًا).
فاجتمعت
- الهمة لديه ووضع الشيء في محله والاستقامة في الأمر.
- مع تأييد الله.
أعلن منهج حكمه فقال: (أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَنُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا)
فلم ينظر إلى الحسبة الدنيوية على أنها كل شيء, وعلى أنهانهاية المطاف, لكنه ربط حسبة الدنيا بحسبة الآخرة,:
(قال أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّإِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا)الكهف: 87
إنه مؤمن بعذاب الله, واختلط ما يعتقد به بمنطقه ومراسيمه.
(وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى)له جنة عرضها السموات والأرض.. (وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا)
فهل نسمع فيما يصدر من بيانات في عالمنا الإسلامي المنسوبإلى الإسلام لغة من هذه اللغات, أم أننا قد فصلنا بين لغتي المادة والإيمان,وجعلنا الغيب في المسجد, فإذا دخلنا إلى المسجد أعلنا الإيمان..
لكن الإيمان يبتعد كل الابتعاد عن منطقنا ومنهجنا, ويبتعدعن حياتنا.
حتى أصبح ذلك سُبَّة..
فالذي يمزج في لغته بين حقيقة الحقائق الإيمانية والمنهجالمادي الذي لابد للعاقل أن يضعه في طريقه, الذي يمزج بين هذا وذاك يوصف بأوصافمخترعة؛ اخترعها الآخرون, ليقولوا عن أهل الحق إنهم كذا وكذا.. فتارة يقولون همأصوليون, وتارة يقولون هم أصحاب الإسلام السياسي, وتارة يقولون هم أصحاب الإرهاب,وتارة يقولون أصحاب الرجعية..
وهكذا نعيش حالة مزرية, هي في الحقيقة الاعتراض على الله..
وهي في الحقيقة إنكارٌ بأساليبَ شتى, للحقائق الثابتة التيأنزلها الله سبحانه, وأرادها أن تكون لنا منهاجاً.
إننا نفعل كما تفعل النعامة؛ نضع رؤوسنا في التراب, لنقطعكل اعتبار عمن نواصينا بيده...
2 - الأمر الآخر: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُبِإِذْنِ رَبِّهِ)
فإذا تحقق الأمر الأول, الذي هو استنجادنا بالله بعدالاعتراف بعبوديتنا له, وأن يكون ذلك موجوداً في مناهجنا, وموجوداً في تعابيرنا,وموجوداً في منطقنا... لا يكفي ذلك, لابد بعدها من تغيير الوصف.
(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ)(وَالَّذِيخَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا)
فإذا لم نغير أوصافنا, وبقينا لا نقر بمعنى الاستقامةأصلاً..
ومفهوم الاستقامة بالمنظور الغربي المادي: أن لا يُرى عليكشيء ممنوع, فإذا فعلت ما فعلته في الخفاء, كنت بمنطقهم أميناً, وكنت بمنطقهممستقيماً.
وما أسوأها من حالة..
فالاستقامة وصف باطن قبل أن يكون وصفاً ظاهراً..
الاستقامة: حينما يعلم أن الله يراه, فلا يفعل ما يفعله إلامراقبة لله..
(يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ)النساء:108
الاستقامة بالمنظور المادي ألا تكون الـ ( C. V) السيرةذاتية فيها أنك فعلت كذا وكذا..
وحقيقة الاستقامة في منظور الحق, أنها حالة باطنة.
فالتغيير الباطن ينتج تغييراً ظاهراً.
ومهما قلنا: لا تسرقوا, ومهما قلنا: لا تفسدوا, ومهما قلنا:لا ترتشوا, ومهما قلنا: أصلحوا أحوال الإدارة والاقتصاد, ومهما قلنا وقلنا، إذا لميحصل تغيير في البواطن.. وإذا لم يحصل تغيير في الأوصاف المنبعثة من القلوب, لايمكن أن نرى نهاية للسرقة مهما وضعنا من قوانين.
وعلى كلٍّ سوف ننتظر، هل ستوضع في بلادنا القوانين؟ وهلستطبق؟
القوانين التي تقول للسارق الذي ينهب ثروات البلد: ينبغي أنتقطع رقبتك ويدك. لأنك لا تسرق من فرد, إنما تسرق بلداً..
هل سيطبق هذا على أرض الواقع؟
وهل نقدر على أن نقول: (ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُعَذَابًا نُّكْرًا) ؟
هل سنقدر أن نطبق قانون محاسبة على كل كبيرٍ وصغير؟
هل سنقدر أن نقول:
(لو أن فاطمة بنت محمد سرقت, لقطع محمد يدها)؟
فإن كنا نقدر على هذا ربما يتحقق الأمر الثاني الذي هوتغيير الوصف.
أما أن تبقى المحسوبيات, وأما أن تبقى المفارقات, وأما أنيكون غاية ما نصل إليه أن نؤطر بإطارات, أو نغير الأسماء دون تغيير الأوصاف؛ فلاولا...
لا والله لن يحصل تغيير..
التغيير لا يكون إلا حينما تتغير الأوصاف, فإذا تغيرتالأوصاف واستنجدنا بقدرة الله سبحانه وتعالى فإن البلد الميت يتحول إلى حي.
(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِرَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا).
(أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّننَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)
كيف يتساوى من كان في الوصف الطيب مع من كان في الوصفالخبيث
(الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ) الذين وقعوا فيالانحلال الأخلاقي، والذين وقعوا في البعد عن الله، والذين وقعوا في المعاصي ولايريدون التوبة فلو كانوا يريدون التوبة من الذي يمنعهم عن الله؟.
لكنْ لا أحدَ يفكر في التوبة، لأن الاستقامة غايتها كما هيفي منظور الماديين أن لا توضع سيرة ذاتية فيها ما فيها، أما أن يفعل ولا يوضع ذلكفي السيرة الذاتية ولا يعلم به أحد فهذا يبقى في حدود الاستقامة في المنظور المادي،لكن لا يكون هذا في حالٍ من الأحوال مقبولاً في توصيف ربنا سبحانه.
(أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْكَالَّذِينَ آمَنُوا ) فاستنجدوا بالغيب
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) فتغيرت أوصافهم
(قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْأَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) لمائدة: 100.
(أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِكَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار)
إنها حقيقة ينبغي لنا جميعاً أن نَفْهمها وأن نُفهِمهالأننا لا نتحدث عن آرائنا ولكننا ننقل إلى العالم ما علّمنا إياه ربنا سبحانهوتعالى.
اللهم ردنا إليك رداً جميلاً ..
بدل أحوالنا ..
غير أوصافنا إلى الأوصاف التي ترضيك يا رب.
واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
أقول هذا القول وأستغفر الله.
أعلى الصفحة