الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Symposia الندوات
 
الكنيسة المارونية والعلاقات المسيحية الإسلامية
المؤتمر الماروني في حلب
سورية / حلب
25-9-2010
 
يا من يموت ودرعه مرهونة قد دست مجد الأصفر الرنان
بهذه الكلمات خاطب مارون عبود الشاعر والأديب نبينا سيدنا محمدا عليه الصلاة والسلام، ليضيف نموذجا معاصرا من نماذج الحميمية بين المارونية والإسلام.
ولم يكتف بثناء اللسان لكنه قدم مبادرة عملية تؤكد صلته الحميمية حينما سمى ولده الأوسط (محمدا) عام ستة وعشرين بعد التسعمائة والألف.
إن الصلة بين المارونية والإسلام قد تعود في التاريخ القديم إلى العهد الموصوف في القرآن الكريم في قصة الثلاثة الذين تحركوا بالدعوة في أنطاكية ( وهي من أعمال حلب) وهي القصة المذكورة في سورة يس وزمانها متقارب مع زمان القديس مار مارون، باعتماد تاريخ وفاة هذا القديس في العام أربعمائة وعشرة من ميلاد السيد المسيح.
ومكان حياة القديس "مار مارون" قريب من"أنطاكية" .
وقد يكون التواصل حاصلا في حياة الصحابي سلمان المولود قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بثلاثمائة سنة كما ينقل ذلك بسنده صاحب البداية والنهاية، فقد لزم سلمان أعيان المسيحية وكبار رجالاتها في حياته الطويلة التي يتداخل وقتها مع وقت هذا القديس
كلها احتمالات مقبولة وإن لم يكن لدينا ما يؤكد حصولها..
وقد ذكر في النص الثالث من الملف الأول في المجمع البطريركي الماروني أن الخليفة معاوية في العهد الإسلامي بنى كنيسة الرها الكبرى على نفقته بعد أن دمّرها الزلزال، وأن الخلفاء الأمويّين ترددوا على الأديرة المارونيّة، وأن بعض الموارنة، كثيوفيلوس بن توما، قد برزوا في البلاطين الاموي والعباسيّ.
وأن الإمام الأوزاعيّ، البعلبكيّ، كان جريئا وعادلا حين وقف مناهضًا للحاكم العباسي صالح بن علي الذي أراد إجلاء الموارنة من جبل لبنان.
وأنّ السلطان المملوكيّ الظاهر برقوق وجد يومًا متدروشًا ومتخفيًا، فاستقبله رهبان دير قنوبين من الموارنة وأحسنوا وفادته. فاعجب بسيرة الرهبان الطيّبة، ومنح الدير براءة على صفيحة من نحاس يعفيه بموجبها من دفع الأموال الأميريّة ويعطيه التقدّم على ما يحيط به من أديرة.
وفي العهد العثماني وضع أسقف حلب جرمانوس فرحات (1670-1732). كتابا في قواعد اللغة العربيّة وهو "بحث المطالب" واللغة العربية هي مفتاح الفهم للقرآن والإسلام.
وزار البطريرك المارونيّ مار بولس بطرس مسعد السلطان العثمانيّ عبد العزيز في الأستانة عام 1869. وطلب إعفاء المسلمين اللبنانيّين من الخدمة العسكريّة في الجيش العثمانيّ أسوة بمواطنيهم المسيحيّين، فتأثر السلطان بحكمة البطريرك ولباقته، وأجابه إلى طلبه.
ولعب البطريرك المارونيّ مار الياس بطرس الحويّك دورًا مهما أسس به الشراكة التوافقيّة بين المسيحيّين والمسلمين في لبنان
ورأى المجمع البطريركيّ المارونيّ أنّ ثمّة حاجة ملحّة الى إطلاق حوار مسيحيّ إسلاميّ صريح في المنطقة العربيّة مقصوده رعاية العيش المسيحيّ الإسلاميّ والعمل على تعزيزه.
وفي المجمع الفاتيكانيّ الثاني برزت وثيقة مهمة تعزز القرب المنشود وفيها:
"تنظر الكنيسة [...] بتقدير إلى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد، الحيّ القيّوم، الرحمن القدير، خالق السماء والأرض ومكلّم البشر، والذين يجتهدون من صميم روحهم في الخضوع لأحكام الله... وهم، وإن لم يعترفوا بيسوع إلهًا، إلاّ أنّهم يوقرّونه نبيًّا، ويكرّمون أمّه العذراء مريم، بل ويبتهلون إليها أحيانًا بورع. فضلاً عن ذلك، ينتظرون يوم الدين... من أجل هذا يقيمون وزنًا للحياة الأخلاقيّة، ويتعبدون لله، لاسيّما بالصلاة والزكاة والصوم.
واذا كانت قد نشأت على مرّ العصور منازعات وعداوات كثيرة بين المسيحيّين والمسلمين، فالمجمع المقدّس يحضّ الجميع على أن ينسوا الماضي، وينصرفوا بإخلاص إلى التفاهم المتبادل، ويصونوا ويعززوا معًا العدالة الاجتماعيّة، والخيرات الأخلاقيّة، والسلام والحريّة، لفائدة جميع الناس".
وكان للبطريرك مار نصر الله بطرس صفير دعوة مميزة للعيش المشترك، الذي "لا يقوم على تجاور وتعايش وحسب، بل على [...] حضارة تكون مزيجا من حضارتين، مسيحيّة وإسلاميّة.
ومن لطائف ما ذكر في المجمع البطريركي الماروني هذا النص الواعي الذي يقول:
"من واجب كنيستنا أن تذكّر الجميع بأنّها ترفض أيّ خلط بين الايمان والتعصّب الدينيّ. "إنّ الفرق شاسع بين المؤمن والمتعصّب: فالمؤمن يستخدمه الله، أمّا المتعصّب فإنه يستخدم الله؛ والمؤمن يعبد الله، أما المتعصب فيعبد نفسه متوهمًا أنه يعبد الله؛ ..والمؤمن يُعمل مشيئة الله، أمّا المتعصّب فيضع مشيئته مكان مشيئة الله ...".
لكن بعد كل ما تقدم من الإيجابيات لا بد لنا من الاعتراف بالقصور المعاصر في الحوار الصادق الشفاف بعيدا عن المجاملات والصداميات.
1- لا بد من الاعتراف بوجود سحب داكنة في تاريخ العلاقات الإسلامية المارونية، ينبغي علينا أن نتجاوزها بقلوب صافية كسماء صافية، وبدلا من أن نكون أسرى التاريخ وأبناء الماضي نصبح نخب الحاضر ووعد المستقبل المزهر.
2- علينا أن لا نتسرع في الحكم على بعضنا من خلال فهم مسبق الصنع، فما كل ما ينقل من معلومات إسلامية مندرجٌ في الثوابت الإسلامية، وكثيرا ما يظن البعضُ أن المعلومة الإسلامية الاجتهادية المحتملة هي الوجه الأوحد في تفسير نص إسلامي، لا سيما حينما تكون تلك المعلومة الاجتهادية شائعة ومشهورة، وكم من شائعٍ ومشهورٍ في فقهنا الإسلامي لا يعدو كونه وجها من الوجوه، ويقابله غيره من الوجوه المحتملة الأخرى التي سيتلقاها شريكنا المسيحي بالقبول والاحترام لو تعرف إليها من خلال البحث المشترك الجاد.
3- إن المرونة في قواعدنا الاجتهادية تسمح لنا بتطويرٍ في العلاقات لا يصطدم مع الثوابت.
4- إن ترجمة النص المسيحي إلى اللغة العربية قضية تحتمل إعادة النظر، فقد يكون في اللغة العربية من المصطلحات المرادفة ما يجعل النص المسيحي أقرب إلى القبول في الذهنية الإسلامية.
5- وبالعودة إلى حياة القديس "مار مارون" نجد أنه تعامل مع السكان بوداعة فكان يستمع إلى مشاكلهم ويحل قضاياهم ويقدم لهم النصائح في أحوالهم، وكان ناجحا في إزالة عبادة الأوثان بين قوم يعبدونها ».وكان في عيشة متقشفة ، يتنسّك في العراء ويعيش تحت السماء، يمضي يومه بالصلاة وتلاوة المزامير والتأمّل، وكل هذا يتطابق مع روح الإسلام بل ويصل في منظوره إلى أرفع رتبه الصوفية.
وأعتقد أننا سنلتقي جميعا في ظلال هذه المشتركات لأنها تقدم الدين سلوكا حاضرا، وصفاء ونقاء باطنا.
إن الفطرة السليمة ستجمعنا على صعيد واحد بعيدا عن إغراقات الفلسفات، وصراع المصالح، وعندها ستعرج الأرواح إلى حضرة ملكوتها النورانية التي التقى فيها محمد بالمسيح.
أعلى الصفحة