الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
إسلامنا رحمة بامتياز
خطبة الجمعة للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني في الجامع الأموي الكبير بحلب
5/11/2010
 
مشاهدة /video/
ملف نصي   استماع ²
علّمنا ربّنا سبحانه قبل قراءة كتابه المنير وقبل كل عمل شريف أن نبدأ بـ: "بسم الله الرحمن الرحيم"، وما هذا التكرار عند كل عمل نقوم به أو نتعلمه إلا من أجل:
1- أن يذكّرنا بوصف الله تبارك وتعالى الجامع، فهو سبحانه موصوف في هذا بـ: الرحمن الرحيم، وباختصار فالوصف الجامع لكل أوصافه تبارك وتعالى إنما هو: وصف الرحمة.
2- وعلى المستوى التربويّ الإنسانيّ من أجل تذكير الإنسان بالوصف المطلوب منه، لأنه تبارك وتعالى حينما خلق الإنسان أراده خليفة، والخليفة متخلّق بأخلاق من استخلفه، وهذا يعني أن المؤمن في كل حالٍ من أحواله وهو يكرّر هذه البسملة الشريفة يتذكر أنه مطالَبٌ بالتخلق بالرحمة، لأن الرحمة إنما هي الوصف الجامع لكل الأوصاف الحميدة.
وقد تحدّثت فيما مضى حديثًا مفصَّلاً عن تكرير القرآن للفظ الرحمة، وكيف أنه ورد وصفًا جامعًا، وأنه الجسر الذي من خلاله يعبُر الإنسان إلى السلامة والفوز والنجاة.
ومن خلال تذكّر الإنسان لخلافته عن ربّه يستطيع أن يكون متواصلاً مع الكون كلّه تواصلاً جماليًّا، وتواصلاً رحيمًا، وتواصلاً كريمًا، وذلك حين يتعامل مع الجماد، وحين يتعامل مع النبات، وحين يتعامل مع الحيوان، وحينما يتعامل مع كل شيء من حوله، لكن أعظمَ نوع من أنواع المعاملات وآكدَ صنف من أصناف المعاملات الذي تتجلى فيه رحمة الإنسان الخليفة إنما هو في صلته مع أخيه الإنسان، لأنه حينما يتواصل مع أخيه الإنسان فإنه يتواصل مع من هيّأه الله تبارك وتعالى أيضًا ليكون مستخلَفًا.
والذي يستعرض منهج التربية القرآنيّ، عندما يقرأ توصيف الصلة المطلوبة مع كل الأشياء المحيطة، فإنه يرى لغةً تربويةً جماليةً تهذِّب نفس الإنسان وترتقي بمعانيه.
وخذوا على سبيل المثال بعض النصوص القرآنية التي من خلالها يقرأ أهل التربية كيف يحوّل القرآن الإنسان في تواصله إلى نموذج من الرحمة وإلى نموذج من المتواصِل المتميّز:
1- تواصل الإنسان مع الجبال:

والتي ربما لا يستطيع الذين عاشوا حياة المادة منقطعةً عن المعاني أن يلمسوا هذه اللمسة الجمالية، وهو سبحانه يتحدّث مع المؤمن ويصف له الجبال، ويرسم له لوحة من أجمل ما يمكن أن يُرسم.
واقرؤوا قوله تعالى: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27]
وهكذا يلفت انتباه الإنسان وهو يتحدث عن الجبال إلى اللوحة الجمالية التي ينبغي أن يقف الإنسان عندها متأملاً.
ألم يقف سيدنا وإمامنا محمد عليه الصلاة والسلام مرة على الجبل فقال: (أُحُدٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ)؟
إنه يتعامل مع الجبل بالمحبة..
إنها علاقة لا يمكن أن يقرأها الإنسان عندما يكون ماديًّا صرفًا، فكيف يمكن له أن يكون محبًّا للجبال؟!
2- تواصل الإنسان مع الأشجار:

يقول سبحانه وتعالى للإنسان: {انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} [الأنعام: 99]
أي: ونضوجِه عندما يصل إلى مرحلةٍ يشتهي الإنسان عندها أن يتعامل معها باللذة.
ولماذا لم يقل رّبنا تبارك وتعالى: انظروا إلى براعمه؟ ولماذا لم يقل: انظروا إليه قبل أن يثمر...؟
إنه تبارك وتعالى أراد من الإنسان أن يتواصل مع الشجرة وهي في أبهى زينتها، وهي في أجمل وصف يشتهيه الإنسان، ليوجد بين الإنسان والشجرة صلة متميزة يكون معها الإنسان معظِّمًا ومحترِمًا لهذه الشجرة من خلال وصف الرحمة الذي يرعى فيه هذه الشجرة.
3- تواصل الإنسان مع الزرع:

فعندما نقرأ في القرآن الكريم نصيحة يوسف عليه الصلاة والسلام (وهو رسول من رسل الله) لقومه ولمن حوله عندما كان ينصحهم بالعناية بالزرع وهم يريدون زراعة القمح والشعير وما يشابهه نراه يقول: {تزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا}
وهذا يعني أن يبذل الإنسان جهده وأن يستفرغ طاقته وهو يخدم هذا الزرع.
وبعد ذلك يقول: {فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ} [يوسف: 47]

إنه يريد من الإنسان أن يكون متناسبًا مع القوانين التي يُحفظ بها هذا الحَبُّ الذي به يكون قُوت الإنسان، فإذا لاحظ هذا الإنسان أنه في المقدمة استفرغ كل طاقته وبذل كل جهده، وبعد ذلك في النتيجة اعتنى بهذه النتيجة، فإنه يتعامل تعاملاً متميزًا مع الزرع كما تعامل مع الشجرة.
لون العناوين (أزرق)
4- تواصل الإنسان مع الحيوان:

وذلك حينما يحدّث القرآنُ الإنسانَ عن الأنعام، ويحدّثه عن الحيوانات التي هي قريبة منه.
واقرؤوا قوله تعالى:
{وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ}
أي: فيها دفء عندما يصيبكم البرد.
{وَمَنَافِعُ}
وهكذا أوجز كلَّ ما يمكن أن يستفيده الإنسان من الأنعام بلفظ مختصر وهو: "ومنافع" تنتفعون بها، فابحثوا عن منافعها.
{وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ}
إنه ينبّه الإنسان إلى القيمة الجمالية التي يستشعرها وهو ينظر إلى الأنعام، فيرى الإنسان أن هذه الأنعام فيها الدفء له، وفيها منافع له، وفيها الجمال الذي يحصِّل له الراحة..
{حِينَ تُرِيحُونَ}
أي: في وقت استراحتكم.
{وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل: 5-6]
أي: وأنتم تنطلقون بها وتسيرون معها.
إنها لغات تربّي في الإنسان المتأمّلِ وصفَ الاحترام لكلّ شيء من حوله.
بل إنه عندما تحدّث عن طعام الإنسان نبّهه إلى أن هذا الطعام مشترَكٌ بينه وبين الأنعام عندما قال سبحانه:
{فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ، أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا، فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا، وَعِنَبًا وَقَضْبًا، وَزَيْتُونًا وَنَخْلاً، وَحَدَائِقَ غُلْبًا، وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس 24-31]
وبعد أن عدّد كل طعام الإنسان النباتي قال:
{مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ} [عبس: 32]
فجعل الأنعام مشترِكة مع الإنسان في الطعام، وعندما يجعل القرآن شيئًا مشترِكًا معك في الطعام فإنه يقرّبك إليه تقريبًا لا يمكن أن يدانيه أي تقريب.
والأمثلة في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عن صلة الإنسان بما حوله كثيرة.
ألم يكن يومًا من الأيام صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يخطب على المنبر فسمع أنين جذعٍ نباتيٍّ اشتاق إليه، فما كان من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا أن نـزل من منبره وعانقه وضمه...
إنها صلة الحبّ، وإنها أوصاف الرحمة التي تجعل من الإنسان نموذجًا متميزًا في علاقته وهو يتعامل مع الجماد، وهو يتعامل مع النبات، وهو يتعامل مع الحيوان...
ألم يأتِ الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكي صاحبه؟
وما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن انتصر للجمل، وسأل عن صاحبه.
هكذا كانت صلة الإنسان بما حوله من المخلوقات.
لكن الصلةَ الآكد التي ينبغي على الإنسان أن يعلمها - في زمن العولمة هذا خاصةً، وفي الزمن الذي أصبح فيه الإنسان مَصلحيًّا وفرديًّا، وأصبح ينسى آكد صلة - فهي:
5- صلة الإنسان مع الإنسان:
وقد أصبح الإنسان غافلاً عن أعظم نوع من أنواع الرحمة، وعن أعظمِ نوع من أنواع التواصل الذي هو تواصل الإنسان مع الإنسان.
واقع العالم المادّي سيء، فنجد دول الشمال ودول الجنوب.. ونجد تمييزًا شديدًا فيما يُدعى بالفيتو وغيره..
إذًا: هناك أزمة إنسانية.. وهناك أزمة ملخصُها "غفلة الإنسان عن الإنسان".
لكن المصيبة تصبح أشدّ وأكبر حينما نرى غفلة الإنسان عن الإنسان وهو يلبس لَبوس الإسلام.
والمصيبة الكبرى التي يعيشها عالمنا الإسلاميّ اليوم هي أننا نرى بعض النماذج التي تلبس لبوس الإسلام وتقول: نحن ننتسب إلى الإسلام، وتدّعي أنها تعبّر عن الإسلام، وبعد ذلك تنظر إلى سلوكها فتجد أنها بعيدةٌ كلَّ البعد عن نموذج الإسلام والإيمان في قلب الإنسان وهو يتعامل مع الإنسان.
إنها لَمُصيبةٌ كبرى عندما نجد من يقول: أعبّر عن الإسلام، وهو يقتل الإنسان، وعندما نجد من يدّعي أنه يعبّر عن وصف المسلم، ثم هو بعد ذلك يستحلّ الدماء..
فهذه مصيبة العصر في عالمنا الإسلاميّ هذا.
وينبعي علينا أن نتذكر قوله تعالى وهو يتحدث مع أهل الإيمان، بل ويتحدث مع العالم كلّه:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70]
فاللهُ يكرّم بني آدم، وأنت لا تكرّم بني آدم؟!
فإذا كان الله مكرّمًا للإنسان فكيف تنتهك حرمة تكريم الله للإنسان، والله سبحانه وتعالى هو الذي يقول:
لون الآيات (أحمر)
{مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]؟

وهكذا أوجد ربّنا تبارك وتعالى أمام المؤمن قيمةَ الإنسان، وعلّمه كيف يتعامل مع الإنسان.
وعندما نسمع في ديننا عن تشريع القتال في سبيل الله فإنه سبحانه وتعالى رسم ذلك وحَدَّه في حدود.
فعندما قال سبحانه: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}
فنحن لا نبدأ قتلاً ولا قتالاً، ولا نبدأ اعتداء ولا عدوانًا، لكننا ندافع عن أنفسنا حينما يقاتلنا مَن لا يعرف قيمة الإنسان.
{وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]
وإيّاكم أن تعتدوا على الدماء.
وقد ورد في الحديث: (لا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) وعند ذلك يسقط من عين الله، ولا يبقى له اعتبار عند الله تبارك وتعالى، لأنه لم يعرف أنه بهذا يهدم البنيان الذي شيده الله سبحانه.
بل إن الذي شيّد البنيان العظيم (الذي اسمه الكعبة) من خلال خليله إبراهيم جعل الإنسان في حرمته متفوقًا على هذا البنيان، لأن بنيان الإنسان أشرف من كل بنيان، لأنه البنيان المستخلَف الذي استخلفه الله سبحانه وتعالى، ولذلك منع الله سبحانه وتعالى الإنسان أن يقاتِل إلا حينما يُقاتل، فإذا اعتدى عليه شخصٌ ما فإنه مأذون له أن يقاتِل دفاعًا عن النفس، واقرؤوا قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} [الحج: 39]
إنه إذن.
فإذا أراد أن يكون أحدَ ابني آدم الذي قال: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 28]
فإنه يكون بهذا أنموذجًا.
وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على أن يكون المؤمن في آخر الزمان (حينما ينتشر القتل والقتال) أحدَ ابني آدم، وذلك بأن أن يكون المقتول لا القاتل.
وإننا نرى اليوم في عالمنا الإسلاميّ كثيرًا من الظواهر العجيبة التي ينفّذها بعض الأشخاص باسم الإسلامِ والإسلامُ منهم بريء.
وماذا يعني أن نسمع عن تفجير كنيسة على أرض العراق الشقيق؟ هل هذا يَقبله الإسلام؟
وعندما دخل عمر رضي الله تعالى عنه إلى بلاد الشام كتب العُهدة العُمَرية التي فيها: أن تحفظ كنائسُ أهل الكتاب وصُلبانهم.
إن عمر رضي الله عنه لا يكتب عن رأيه، ولا عن فكره وعبقريته، إنه بهذا يأتمر بأمر الله تبارك وتعالى.
فكيف يسمح لنفسه مسلمٌ أن يعتديَ على حرمة الإنسان، وأن يكون ممن يعتدي على شخص يريد أن يكون في مُصلاّه؟!
إن هذا مما يَندى له جبين الإنسانية، ومما يَندى له جبين أهل الإيمان، ولا يمكن في حالٍ من الأحوال أن يعبّر في يوم من الأيام أو حالة من الحالات عن الإسلام أو الإيمان.
وإنني أقرأ على حضراتكم - وأتمنى أن تبلّغوا هذا للجميع - البيانَ التي أصدرَتْه وزارةُ الأوقاف السورية مستنكِرةً ما حصل من هذا الحادث الإجراميّ الذي يتكرّر، والذي نسمع في كل يوم مثيلاً عنه:
[قال تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].
إن وزارة الأوقاف تدين بشدةٍ جريمةَ الاعتداء الإرهابيّ الآثم على كنيسة "سيدة النجاة" في بغداد وتدعو للحفاظ على حرمة دُور العبادة الإسلامية والمسيحية.
إن هذا العمل الإرهابيّ يتنافى مع القيم الدينية والإنسانية، ويخالف الشرائع السماوية عامّة، وتعاليمَ الدين الإسلاميّ الحنيف خاصّة.
قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ، يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]
قال الإمام القرطبي في تفسيره: تضمّنت هذه الآية المنع من هدم الكنائس.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، فَأَحَبُّهُمْ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ).
فكلّ من ساق خيرًا إلى عباد الله أحبَّه الله، وكلّ مَن اعتدى عليهم وساق لهم ضررًا أبغضه الله، وإن الاعتداء على دُور العبادة عملٌ آثم يستنكره كلّ مسلم ومسيحيّ وإنسان منصف في العالم، ويدلّ على أن منفذه مرتبط بقوى ظلامية مشبوهة مدعومة من قبَل أعداء الإنسانية.
ولا ريب أن السبيل للخلاص من هذه الفتن والاعتداءات على الآمنين يكون بوحدة الصفّ والتعاون المشترك بين جميع الموطنين في البلد الواحد، والتنبّه إلى المؤامرات التي يحيكها أعداء الأمة العربية (وعلى رأسهم الصهاينة) للتفريق بين أبنائها].
وهكذا نسجّل في عالمنا هذا توقيعًا إسلاميًّا، عندما نستنكر في مؤسستنا الدينية الإسلامية هذا الاستنكار، ونبين للناس أن مؤسستنا الدينية الإسلامية تعي وتفهم ما يقوله ويقرّره القرآن، وما تُوجِّه إليه سنةُ الحبيب المصطفى عليه أفصل الصلاة وأكمل السلام، وتوجّه توجيهًا واضحًا وتبين بيانًا لا لبس فيه أن الإسلام بريء من كل هذه التصرفات، وأن الذي يقوم بمثل هذه الأعمال لا يخاف الله تبارك وتعالى، ولا يمكن له أن يكون معبرًا في حالٍ من الأحوال عن الإسلام العظيم.
بل إنه سبحانه وتعالى حينما تحدّث عن تعامل المسلم مع غير المسلم صرّح سبحانه وتعالى بقوله:
{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]

إنه سبحانه وتعالى بهذا البيان يدعونا إلى الإحسان لغير المسلم، ويدعونا إلى العدل مع غير المسلم، ويدعونا أن نكون أصحاب العطاء والإكرام لغير المسلم، طالما أنه جارٌ لنا، وطالما أنه لا يعتدي علينا، وطالما أنه لا يحاربنا، وطالما أنه لا يستعمل السلاح من أجل قتلنا...
إنه مبدأ الإسلام بوضوحه وبيانه الذي لا لبس فيه ولا خفاء.
وينبغي على كل مسلم أن يعلِّم هذا أولادَه وجيرانه وأصحابه، وأن ينشر هذه الحقائق، لأن سريان الجهالة المركبة في الأجيال القادمة مصيبة من أكبر المصائب، وذلك عندما يُنمّى في الشباب نَفَسُ العدوانية من غير أن يعيَ أنه بهذا يكون معاديًا للإسلام، وأنه بهذا باسم الإسلام ينفّذ ما ينهى عنه الإسلام، قال ربنا سبحانه:
{وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]

نعم، وصفُ ديننا إنما هو الإحسان، وأعلى رتبةٍ في ديننا إنما هي رتبة الإحسان، التي يكون فيها الإنسان محسنًا إلى الخلق وعابدًا للحقّ، ومعظّمًا لحرمات الله تبارك وتعالى.
رُدّنا اللهم إلى دينك رَدًّا جميلاً، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
أعلى الصفحة