الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
أكذوبة أرض الميعاد
خطبة الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني في الجامع الأموي الكبير بحلب
4/6/2010
 
مشاهدة /video/
ملف نصي   استماع ² عرض تقديمي
تعيش أمتنا الإسلامية اليوم - بل والعالم كله - حدثًا ربّما زلزل من لا يتوقعه، وربّما صَدَم من لا يعرف منشأه.
وتحدّث الإعلام في العالم كله عن ذلك العدوان الذي ارتكبته وحوش البشرية على قافلةٍ تحمل الطعام والدواء واللباس إلى جياع ومرضى..
فيهاجم جيش الوحوش الصهيونية البشرية قافلةً بحرية تحمل دواءً وغذاءً..
ويُصدم من لا يعرف منشأه، لكن دهشة المتأمِّل تزول حينما يعلم الجذور الثقافية التي تُنشئ كل سلوك، فنحن أمة تستمد ثقافتها من الرحمة العالمية محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال الله سبحانه وتعالى في حقّه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]

نحن أُمّة تأبى ثقافتها أن تُحاصر هِرّة، وقد دخلت امرأة النار في هِرّة حبستها، فثقافتنا الإسلامية الرحيمة تأبى أن نُحاصر هِرّة نمنعها غذاءها..
لكننا أمام عدوٍّ يعلو ويتجبّر ويُفسد ويُحاصر الأطفال والشيوخ والنساء على أرض غزة المباركة.
وهذا يستند إلى أُكذوبةٍ كذبها أولئك على العالم وصدّقها الكثيرون، وهذه الأُكذوبة ملخصها أن لهم حقًّا في الأرض المباركة فلسطين.
وهذه الأُكذوبة تقول: إن سليمان عليه الصلاة والسلام أسس مملكة كبيرة في فلسطين، وانطلق من فلسطين إلى العالم، وأنهم سوف يتجمّعون مرّة ثانية لإحياء تراث سليمان وأبيه عليهما الصلاة والسلام..
ويُصدّق أكثر الناس هذه الأُكذوبة..
والذي لا يعرفه كثير من الباحثين وطلبة العِلم وعموم الأمة الإسلامية - لاسيما مع اختلاط إسرائيليات كثيرة في كتبنا التفسيرية - أن القرآن الكريم كذّب هذا الأمر، وبيّن أن سليمان عليه الصلاة والسلام لا صِلة له بتأسيس مملكة على أرض فلسطين.
والقرآن الكريم تحدّث عن خروج بني إسرائيل من مصر، وبيّن أنهم دخلوا في بحر، وأنهم توجّهوا شرقًا، ثم جاء الحديث عن سليمان عليه الصلاة والسلام مُفصَّلاً يبيّن فيه ربّنا تبارك وتعالى أن سليمان عليه الصلاة والسلام قد أسس مملكة في جنوب الجزيرة العربية.
وهذا ربّما لا يبدو لكثير ممن يقرأ القرآن.
وقد بذل الكيان الصهيونيّ كلّ ما يستطيع، وجنّد أمريكا، من أجل أن يوجِدوا ولو حجرة واحدة، ولو أثرًا واحدًا يدلّ على صِلة داوود أو سليمان عليهما الصلاة والسلام بفلسطين أو بالقدس الشريف، فلم يجدوا أثرًا واحدًا.
وجاء القرآن الكريم يبيّن الأمر بالتفصيل لأمة الإسلام، لكن هيمنة الإسرائيليات على كُتبنا مع الأسف صرفت الأذهان عن الحقيقة القرآنية المبيَّنة.
ولابد قبل أن أتحدّث عن هذه الجريمة النكراء من أن أبيّن للعالم - ولاسيما أن كل كلمة أتكلمها تُنقل إلى العالِم كله عبر الشابكة - لابد أن أبيّن أمرًا ومن خلال قرآننا الكريم، وهو أن عصر الفراعنة انطلق من وسط مصر، وتأسست دولة الفراعنة التي أُرسل إليها موسى عليه الصلاة والسلام في وسط مصر، وبعد ذلك حكى القرآن أن موسى وأصحابه خرجوا باتجاه البحر شرقًا، وكلّ من تأملّ في خارطة جغرافية يعلم أن الذي يخرج من وسط مصر باتجاه البحر شرقًا فإنه سيجتاز البحر الأحمر إلى الجزيرة العربية، بل إلى جنوب الجزيرة العربية.
وبعد ذلك يأتي القرآن فيُفصِّل تفصيلاً كبيرًا في حقائق ثابتة بكلمات ربّانيّة يُبيّن فيها ربّنا سبحانه وتعالى أن مملكة سليمان كانت في جنوب الجزيرة العربية.
ولابد وأنا أتحدث عن آيات قرآنية من أن أقرأها عليكم حرفًا حرفًا، لأن هذا مما لا يعرفه كثير من أمّة الإسلام، أما قصة خروج أصحاب موسى عليه الصلاة والسلام من بني إسرائيل، فقد حكاها القرآن، وأختصر لكم بعض النصوص القرآنية، يقول سبحانه:
- {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ، إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ، وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ، فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ}
فنصَّ القرآن على أن حركة فرعون وهو يتبع بني إسرائيل كانت باتجاه الشرق، أي من وسط مصر باتجاه الشرق.
- {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ، فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 53-63]
والقرآن مصطلحاته دقيقة فلا يصف النهر بالبحر، فالبحر هو البحر والنهر هو النهر، فلم يكن عبور موسى لنهر النيل، إنما كان هذا الحدث القرآني الذي حكاه القرآن في البحر، فيتجه من وسط مصر شرقًا ويصل إلى البحر.
وهذه معلومات بدهية يستطيع كل دارس أن يفهمها وأن يقرأها.
وبعد ذلك يأتي حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم، يتحدّث فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يسير بين مكة والمدينة عن موسى عليه الصلاة والسلام.
يقول ابن عباس كما في صحيح الإمام مسلم:
(سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَمَرَرْنَا بِوَادٍ) بين مكة والمدينة، (فَقَالَ: أَيُّ وَادٍ هَذَا؟ فَقَالُوا: وَادِي الأَزْرَقِ، فَقَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي).

وفي رواية أخرى في صحيح مسلم أيضًا: (فَقَالَ: أَيُّ وَادٍ هَذَا؟ فَقَالُوا: وَادِي الأَزْرَقِ، فَقَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السلام هابطًا من الثَّنِيَّةِ وله جُؤار إلى الله بِالتَّلْبِيَةِ).

فالقرآن يتحدّث عن حركة جغرافية معلومة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدّث عن رؤية يراها بعينيه الشريفتين في عالَم المثال.
فقد مثّل الله سبحانه وتعالى ما كان، فرآه، ورأى موسى في الجزيرة العربية متوجِّهًا إلى مكة.
وعندما حكى ربّنا سبحانه وتعالى عن المملكة السليمانية قال:
{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 81]

والذي يفهم اللغة العربية يُفرِّق بين (من) و(إلى)، فلو قال سبحانه وتعالى: (من) لفهمنا أن المملكة السليمانية هي في الأرض المباركة فلسطين.
وسليمان كان يجوب الأرض كلها، وسخّر الله سبحانه وتعالى له الريح، فكان يزور كل بقعة على وجه المعمورة، وكان يزور فيما يزور الأرض المباركة، لكنه لم يكن يخرج من الأرض المباركة، يقول سبحانه: {تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} فهو يتحرك إلى مملكته زائرًا فلسطين، ولم تكن مملكته فلسطين.
وبعد هذا يقول سبحانه وتعالى:
- {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ، وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ}

وأتمنى أن تدققوا اليوم، أين يوجد وادي النمل؟
وادي النمل منطقة يعرفها أهل اليمن، ولا يشترك فيها مع ذلك الوادي أي وادٍ في العالم.
- {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}.


والهدهد طائر صغير يشبه العصفور وأكبر منه قليلاً، لا يستطيع أن يسافر المسافات الطويلة، وهو أمر يعرفه كل عالِم من علماء الطبيعة، فهو طائر صغير لا يستطيع الطيران مسافات طويلة، ولما أراد أهل الصين القضاء على العصفور أَمر زعيمهم يومها "ماو" الشعب الصينيّ أن يخرجَ ويُحدِثَ ضجيجًا، فصعدت العصافير في السماء، ولكنها لا تستطيع الطيران أكثر من ربع ساعة، فبعد ربع ساعة سقطت العصافير كلها ميّتة.
وكانت طريقة من أجل القضاء على العصافير، لأن العصفور لا يستطيع البقاء في جوه طائرًا أكثر من ربع ساعة، وقُضي على العصافير، وهذا أمر يستطيع أن يتعرف إليه كل باحث.
- ثم قال سبحانه: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ}
وهنا يذكر القرآن الكريم أن الهدهد كان قريبًا من سليمان ولم يكن بعيدًا عنه، فقد مكث في مكان لا يبعد عن سليمان لا في الزمن ولا في المسافة.
- {فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}
ولا يختلف أحد في أن سبأ هي اليمن.
- {إنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ، وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ، أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ، اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل: 16-28]

فكان الهدهد رسول سليمان، وهو طائر لا يستطيع الطيران أكثر من نصف ساعة، وعندما يطير العصفور أو الهدهد نصف ساعة فكم هي المسافة؟
وهذا يعني أن مملكة سليمان كانت قريبة من مملكة سبأ.
فالقرآن يتحدث عن خروج بني إسرائيل من مصر إلى البحر الأحمر ودخولهم الجزيرة العربية، ويتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صِلة موسى بالجزيرة العربية، ويتحدث القرآن عن مملكة سليمان في جنوب الجزيرة العربية... ويأتي بعد ذلك الكذّابون ليتحدّثوا - مع فقدانهم كلّ الأدلة والآثار التي تدل على صِلتهم بفلسطين - ويتحدّثون بأن فلسطين لهم...!
كذبوا والله.. لا صِلة لهم بفلسطين، وأكثر ما هنالك أن سليمان زار فلسطين.
فلسطينُ فيها بيت المقدس الذي بُني كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد مكة بلد الكعبة المشرفة بأربعين عامًا.
إنه قِبلة المسلمين الأولى، وهو المسجد الذي يرتبط بسيدنا إبراهيم.
ويحاول أعداء الله الكذابون أن يقولوا للعالم: على أرض المسجد بنى سليمان مملكته..!
ولا علاقة لهم، ولا لسليمان الذي يتبرأ منهم ومن أفاعيلهم، ببيت المقدس.
ومن يقرأ نسخ الإنجيل الحاضرة يرى حوارًا بين المسيح وبني إسرائيل - وذلك بحسب النسخ الإنجيلية الموجودة الآن - يقولون فيه للمسيح عليه الصلاة والسلام: نحن أولاد إبراهيم.
ويقول لهم المسيح: كذبتم، بل أنتم أولاد إبليس.
فيقولون: هذا هو نسبنا إلى إبراهيم.
فيقول: أفعالكم تنتسب إلى إبليس لا إلى إبراهيم...
فنحن أمام عدوٍّ ثقافتُه الكذب، ويحكي عنه القرآن بأنه يحترف الكذب، واقرؤوا في القرآن قوله تعالى:
{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا}
أي: اليهود، {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46]

واقرؤوا في القرآن: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} [المائدة: 13]

والذي يكون قلبه قاسيًا لماذا لا يجوّع الأطفال؟ ولماذا لا يقتل الأبرياء؟ ولماذا لا يحاصر شعبًا بريئًا أعزل..؟
وقسوة القلوب حذّر الله سبحانه وتعالى أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منها فقال:
{وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد: 16]

وقال: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [البقرة: 74]

فالله سبحانه وتعالى يُحذّرنا يا أمّة الحبيب المصطفى من قسوة القلوب لأن القلب حينما يقسو يعتدي المسلم على المسلم، ويعتدي الإنسان على الإنسان، ليخون عرضه ويستبيح دمه...
وعندما أراد الله أن يصف سيد الكائنات محمدًا عليه الصلاة والسلام قال:
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 156]

إنه اللين الذي كان به القلب المحمدي الأبهى، والقلب المحمدي الأنور.
لكنهم قست قلوبهم، وربما نعاني اليوم في زماننا من قسوة القلوب.
إذا أردت أن تعرف قلبك، فانظر إلى قلبك وأنت تسمع آية من القرآن، فإذا رأيت في عينيك دمعة، وإذا رأيت رأسك يسجد في عتبات الله على الأرض، فاعلم أنك بعيد عن قسوة القلب، وإذا رأيت أنك تسمع القرآن كما تسمع أي كلمة، فاعلم أنك مصاب بقسوة القلب.
قال تعالى: {لَوْ أَنـزلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: 21]

وإن الوصف الذي تحدّث القرآن عنه فيهم هو: الإفساد والاستعلاء، فقال:
{وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 4]

وحذّرنا ربّنا سبحانه من هذين الوصفين: الإفساد والاستعلاء، عندما قال سبحانه:
{تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا} [القصص: 83]

هذان الوصفان اللذان ينبغي أن تتبرأ منهما هذه الأمة.
وينبغي علينا أن نتنبه إلى كل هذه المجازر، فمرّة يدبّرون بالغازات السامة، ومرة يقتلون بالمتفجرات أطفالنا ونساءنا، ومرة يحاصرون ويقتلون كل من يحمل الغذاء والدواء إلى شعبنا المؤمن الأعزل...
آن لنا أن نصحو من سباتنا..
آن لنا أن نعلم أن هذا العدو لا لقاء بيننا وبينه..
وأعجب من الحديث عن مبادراتٍ ومبادرات للقاءٍ مع هذا العدو، وهذا عدوٌّ ينطلق من القلوب القاسية التي لا يمكن اللقاء معها أبدًا.
البِرّ لا يبلى، والذنب لا يُنسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت، كما تَدين تُدان.
رُدّنا اللهم إلى دينك رَدًّا جميلاً، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
أعلى الصفحة