الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
ولكنكم تستعجلون
خطبة الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني في الجامع الأموي الكبير بحلب
21/5/2010
 
مشاهدة /video/
ملف نصي   استماع ²
تقدم الكلام أن العاقل حين يعلم أن الحيّ الذي لا يموت إنما هو الله تعالى وحده فإنه لا يوجّه قلبه إلا إليه، ولا يعتمد إلا عليه، ومن هنا تظهر حقيقة التوكل على الله والاعتماد عليه، وذلك عندما يعلم المخلوق أن كل دابة في الكون ناصيتُها بيد الله، لكن هذا لا يعني أن يلغي الإنسان تكليفه الشرعيّ مع الاعتماد على الله تبارك وتعالى والتوكل عليه، فقد نبّهنا ربّنا تبارك وتعالى في التكليف الشرعيّ إلى أمرين اثنين:
أما الأمر الأول فهو الإيمان.
وأما الأمر الثاني فهو الاستقامة على صراط الله تعالى المستقيم.
وقال سبحانه: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} [الملك: 29] فأمرنا قبل التوكل بحقيقة الإيمان، بأن تكون حاضرةً في قلوبنا مدعَّمةً بأسبابها.
وقال سبحانه وتعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123] فأمرنا في هذه الآية أن نكون على صراطه المستقيم سلوكًا عمليًّا يرضاه سبحانه، وبيّنه لنا حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فإذا اجتمع للإنسان التوكل على الله تبارك وتعالى، والجمع بين هذين التكليفين الشرعيين، يكون بعد ذلك على الحق متوكلاً.
وهكذا، أي: بالإيمان وعبادة الله تبارك وتعالى، التي تشمل المعاملات كلها وتشمل أنواع العبادات - وهي باختصار أن يكون الإنسان على صراط الله الذي بيّنه المصطفى صلى الله عليه وسلم - يجتمع التكليفان في كلمة واحدة، قال سبحانه وتعالى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل: 79] فعندما يكون الإنسان في التكليفين الشرعيين الذين أشار إليهما قرآنُ ربّنا تبارك وتعالى، فإنه يكون وقتها على الحق المبين.
ومن هنا حينما يكون المسلم متحققًا بوقوفه على أمر الله تعالى وصراطه المستقيم والاعتماد والتوكل عليه، فبعد ذلك لا عليه أن لا يلتفت، إنه عند ذلك قادر على الثبات، وقادر على الاستقامة وترك التلفت.
لكن مشكلتنا أننا نتحدث عن الاستقامة، ونتحدث عن التوكل على الله، لكننا نتزلزل عند ورود الشدائد وطروّها، أما المؤمن الذي صح في قلبه الاعتماد على الله، وصح في ظاهره السير على صراط الله المستقيم، فإنه في استقامته هذه لا يتلفت.
وأحب أن تحفظوا كلمات ثلاثة:

1- إذا كنتم على الصراط المستقيم متوكلين على الله فلا تتلفتوا وإنْ خوّفكم الآخرون، لأن الله سبحانه وتعالى يتولاكم: {إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نـزلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف: 196].
فإذا كنتم على الحقّ المبين متوكلين على الله فلا تلتفتوا ولو خوفكم المخوفون، ولا تثبطوا وإن ثبّطكم المثبطون.
2- لا يمكن للباطل أن يثبت أمام الحقّ، فمهما كثرت أعوان الباطل يبقى الحق الأقوى، قال تعالى:
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} [الأنبياء: 18]
وهكذا حينما يُحضِر الإنسان في قلبه هذه الحقيقة فإنه يدرك أن الحقّ هو أقوى من الباطل على الدوام.
3- لابد وأن يزول الباطل يومًا ما وإن طالت مدته، فالله سبحانه وتعالى هو القائل:
{كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21]
وإذا كتب الله أمرًا فإنه لابد محقّق.
وإياكم أن تغتروا بالأوهام التي تحيط بقلوبكم.
اثبتوا على الحق وتوجهوا إلى الله وأدركوا أن الله سبحانه هو الذي كتب: {كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}
واقرؤوا قوله تعالى واحفظوه:
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105].
كونوا على الصلاح، وكونوا على الاستقامة، ووجّهوا قلوبكم إلى الله، ولا تعبؤوا بعد ذلك بأي شيء يعتريكم... وتذكروا يومًا من الأيام أن الله سبحانه وتعالى قال لحبيبه صلى الله عليه وسلم وخاطب بهذا الخطاب أصحابه وأمته: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ} قالها ربنا سبحانه وتعالى لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أعسر غزوة، عندما خرجوا في تبوك في وقت الحر الشديد وتحمّلوا ما تحملوه، فنـزل قوله تعالى:
{إِلاَّ تَنصُرُوهُ} يعني في وقت تبوك هذا، {فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ} يوم خرج مهاجرًا وحيدًا من مكة.
{إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40].
وهكذا تحضر الحقيقة الإيمانية في قلب المؤمن، ويتذكر ما قصّهُ القرآن علينا حينما فرّ فتية الكهف إلى الأمام لا إلى الخلف عندما حكى القرآن عنهم: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: 16] فقد عورضوا من مجتمعهم وثبتوا على الحق، وثبتوا على التوازن، وثبتوا على الاستقامة، ووجّهوا قلوبهم إلى الله... فكانت العاقبة لهم، وكانت الخاتمة لهم.
البِرّ لا يبلى، والذنب لا يُنسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت، كما تَدين تُدان.
رُدّنا اللهم إلى دينك رَدًّا جميلاً، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
أعلى الصفحة