الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
الأسرة مسؤولية وأمل
خطبة الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني في الجامع الأموي الكبير بحلب
30/4/2010
 
مشاهدة /video/
ملف نصي   استماع ² عرض تقديمي
صلاح مجتمعنا بصلاح الأسرة، فإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع، وإذا فسدت فسد المجتمع.
أقول هذا لمن تزوج ولمن لم يتزوج، أقوله لمن تزوج حتى يعي ما هو في مسؤولياته وواجباته، وأقوله لمن لم يتزوج حتى يدرك أنه يومًا ما مُقدِم على هذه المسؤوليات.
والأسرة باختصار كلمتان: مسؤولية، وأمل.
وعنوان المسؤولية: قولُه تبارك وتعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]

فحمّلنا ربّنا تبارك وتعالى المسؤولية لأن رعاية الأسرة إنما هي وقاية قبل العلاج.
فأفهمنا وهو يقول: {قُوا} أنها مادة مستمدة من الوقاية، والوقاية حينما تؤخذ بعين الاعتبار قبل العلاج لا نصل إلا إلى أحسن الثمرات السلوكية، وحينما تهمل الوقاية نبحث بعد ذلك يمينًا وشمالاً عن العلاج، وقد نجده وقد لا نجده، ونرى بعد ذلك تفشي الجريمة، ونرى الانحرافات السلوكية التي تلطِّخ مجتمعنا.
وعنوان الأمل: قولُه تبارك وتعالى وهو يتحدث عن الذين توجهوا إلى الله تبارك وتعالى بصدق وإخبات وإخلاص: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74]
أي: اجعل أُسَرَنا قرة أعين في الحاضر والمستقبل.
وإذا أردنا في هذه العجالة أن نتحدث عن شيء من المسؤولية وعن بعض العناصر التي تدفعنا إلى الأمل:
أقول في المسؤولية:
1- ينبغي أن يعي الزوج والزوجة أن الأخلاق
أولاً هي المقدمة لصلاح الفرد، وعندما نولي رعاية الأخلاق الفاضلة في الأسرة اهتمامًا كبيرًا نكون بهذا قد أسسنا للعنصر الأول في المسؤولية، وهو مسؤوليتنا عن أخلاق الطفل، ومسؤوليتنا عن أخلاق الفتاة، ومسؤوليتنا عن معاملات الأسرة فيما بينها، ومسؤوليتنا عن أخلاق أولادنا حينما يتعاملون مع الآخرين...
والأخلاق تعني في النتيجة الارتقاءَ إلى الفضيلة والترفع عن الرذيلة بكل أنواعها: السلوكية والقولية والفعلية والمالية... ولن أفصّل في تفصيلات الأخلاق التي يعرفها أكثركم، إنما تربية الزوج والزوجة أولادَهما على الأدب والأخلاق تحقيق للعنصر الأول من عناصر المسؤولية التي تكون نتيجتها صلاح الأسرة.
2- العلم:
لأن الجهل لا يولد إلا الفوضى، أما العلم فإنه يسوق إلى الاستقامة، ويسوق إلى معرفة النافع والمفيد واجتناب الضار.
فعلينا أن نعتني بالتعليم منذ نعومة الأظفار، ثم نولي التعليم كلّ الاهتمام خطوةً خطوة عبر المراحل المتنوعة حتى يكون هذا الولد متعلمًا وباحثًا عن المعرفة، ومن خلال العلم يستنير سلوكه.
3- أن نعلم أولادنا أن الكسب الشريف والنظيف إنما هو قرين الإنسان الشريف والنظيف.

فينبغي أن نغرس في عقول أولادنا وقلوبهم أن اللقمة الحلال لا تنتج إلا أفعالاً حميدة، وأن اللقمة الحرام لا تنتج إلا السلوك الشاذّ، فإذا فهم الولد ذلك علم أن كسبه يرتبط بسلوكه، فكلما كان كسبه شريفًا ونـزيهًا ونظيفًا فإن سلوكه سيكون نـزيهًا وشريفًا ونظيفًا، وإذا انحرف في كسبه والتوى وهو يبحث عن المال من غير طريقه المشروع فلن تجد بعد ذلك إلا الانحراف في السلوك.
هذا باختصار على مستوى المسؤولية في هذه العجالة.
أما الأمل:
الذي ينبغي أن نعقد قلوبنا عليه - لعل أولادنا يكونون في المستقبل القريب أصحابَ رسالة فاعلة في المجتمع - فينبغي أن لا يعتمد على حسن المظهر، ولا على حسن المنطق والأقوال التي يتعلمها الشباب، ولا على كثرة الأموال التي يحملها أولادنا... فهذا انحرافٌ لا يقود إلى أمل.
إن الشباب والفراغ والجِده .....مفسدةٌ للمرء أيُّ مفسدة

عندما يكون الشاب أو المراهق في حالة من الفراغ، ويجد بعد ذلك شيئًا من المال معه، دون أن يملك الأدب والأخلاق والعلم والفضيلة، فإنه لا بد أن يوظف ما يملكه توظيفًا فاسدًا وسيئًا، فلا ينبغي أن يكون أملنا معقودًا على حسن المظهر وحسن اللباس، ولا على كثرة الأموال.
فالأمل الذي يمكن أن ينشئ بعد ذلك جيلاً صالحًا ينبغي أن يستند إلى تدريبنا أولادَنا على الاستعداد الدائم للاستزادة من المعرفة.
ربما تكون معرفتنا في جيلنا هذا مختلفة عن المعرفة في الجيل الذي يأتي من بعدنا، فعلينا أن نربّي أولادنا وندرّبهم على الاستعداد للاستزادة، كما ربّى الله سبحانه حبيبه محمدًا صلى الله عليه وسلم حين قال له:
{وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].

وذلك عندما ندرّب أولادنا ونقول لهم: افتحوا قلوبكم وعقولكم على كل معرفة، واجعلوا استعدادكم للاستزادة من المعرفة شيئًا رئيسًا في حياتكم.
إذًا:
1- التدريب على الاستزادة من العلم والمعرفة مع تطور الأمان، وهو استعداد موجود في أولادنا.
2- أن ندرب أولادنا على المرونة في التعامل: هذه المرونة التي تخرجهم من الجمود، لأن جيلاً يربى على الجمود لا يمكن أن يكون في يوم من الأيام متطورًا، وأنا لا أتحدث عن الثوابت (ثوابت الفضيلة) لكنني أتحدث عن المتغيرات التي ما أكثرها، ففي كل لحظة نجد متغيرًا جديدًا.
إذًا: الاستعداد للاستزادة من المعرفة، وما نـزال نرى كثيرًا من الشباب وبعضَ طلبة العلم يتمسكون بمعرفةٍ لا تتناسب مع الزمان.
ربّوا أولادكم على الاستعداد الأول للاستزادة من المعرفة، وربّوا أولادكم ثانيًا على المرونة التي من خلالها يستطيع التكيف والتأقلم مع الظروف.
3- ربّوا أولادكم على الاستعداد للتعايش مع الآخر أينما كان وحيثما كان.
التعايش مع الآخر إنما هو صفة الإنسان الكامل، أما الصدامية فإنها تَنتُج عن ضيق الأفق، وعن التربية الفاسدة.
فهذه عناصر ثلاثة أقدمها بين يدي حضراتكم في المسؤولية، وعناصر ثلاثة أقدمها لكم على مستوى الأمل.
فلنسعَ جاهدين لتحقيق هذين الأمرين:
- المسؤولية في الحاضر على ما نراه وما نعدّه لأجيالنا في الوقت.
- والأمل الذي من خلاله نؤسّس لمستقبل يمكن أن يكون حميدًا: فيه الكرم، وفيه الشجاعة، وفيه العزة بالله، وفيه الاعتزاز بالأوطان، وفيه الدفاع عن الأرض والعرض، وفيه الفضيلة، وفيه يكون الإنسان نموذجًا للإنسان ولا يكون خليفة للشيطان...
رُدّنا اللهم إلى دينك رَدًّا جميلاً، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله.

أعلى الصفحة