الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Sermons المنبريات
 
من دروس الجلاء
خطبة الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني في الجامع الأموي الكبير بحلب
16/4/2010
 
مشاهدة /video/
ملف نصي   استماع ² عرض تقديمي
لقد حظيَت هذه المدينة الكريمة بأن تكون مركز الذكرى، ذكرى جلاء الغريب المستعمر، وذكرى الحرية، حرية الباطن وحرية الظاهر..
ونحن حينما نعيش هذه الذكرى فإننا نسترجع في ذاكرتنا أيام الجهاد الذي هو ركن من أركان هذا الدين، والذي هو عمودٌ تقوم به عزّة الأمة.
ونسترجع في ذكرياتنا تلك الأيام التي وقفت فيها أمتنا يدًا واحدة أمام غريب يريد أن يسلُبنا ثقافتنا وأرضنا وهويتنا..
نحن بهذه الذكرى نقف مع دروس كثيرة.
وقبل أن أستمد - يا معاشر أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويا أهل هذه المدينة العريقة الأصيلة - من ذكريات هذه المناسبة دروسًا وعِبرًا، أحببت أن أعرض صورة موجزة مختصرة من خلال قصيدة ألقاها أستاذٌ من أساتذتي عام 1945 في جامعة دمشق، بعد أن حرّر الله سبحانه وتعالى هذه الأرض من الغريب المستعمر، وكان هذا الأستاذ الفاضل الكريم واحدًا من رجال الثورة التي وقفت تحت راية الجهاد تدفع عن الأمة شر هذا الغريب، واخترت لكم بعضًا من قصيدة طويلة ألقاها وجدتها مثالاً ونموذجًا عمليًّا لرجل عاش الحدث ووصفه، يقول فيها:
نفــــــــــروا يوم ميســـــــــــــــــــــــلون خفافًا........ وثــــــــقالاً بالنــــــــــــــار والبــــــــــــــتار
ليردّوا العدو عن جنــــــــــــــــــــــــــــة الأرض........ بأزهــــــــــــــارها وطيــــــــــــــــب الثمار
كم رأيـــنا منــــــهم على الأرض صــــــــرعى........ ودمًا منـــــــهم علــى الأرض جـــــــــــاري
صبرهـــــــــــم في القتال صــــــــــــــبر كرام........ فِعلـــــــــــــهم في الدفاع فعل خـــــــــيار
تتلاقى الأبــــطال من كل فـــــــــــــــــــــــــجٍّ........ في الســــــــــويدا شـــــــــــبت إلى عكار
نســـــــــــــيم الغوطــــــــــة التي في ربــاها........ قــــــــد أوى كــل ضيــــــــــــغم جــــــبار
وظلام الكـــــــــــــــهوف قد ألفـــــــــــــــــــوه........ يرقبــــــــــــــون العــــــــدو في الأســحار
كيف ينـــــــــــسى اضطـــــــراب خمســــــين........يومًا وســـــــــــــــواه والضرب بالأحـــــجار
ما لديهم ســـــوى الحجارة والـــــــــــــــخصـ ........ ـم أتاهم بجيــــــــــــــــــــــــــــــشه الجرار
كم لديه بدبابـــتهم قد رمتــــــــــــــــــــــهم........ بجحيم من ثــــــــغرها المـــــــــــــــــــــــدرار
تنثــــــــــني والحــــجار تــــــــــــــــرمى عليها........ مثل إبليـــــــــــــــــــــس عند رمي الجمار
هكذا كانت بلادنا هذه تعيش حالة الجهاد والمقاومة..
هكذا كانت الأحجار تضرب على سلاح وعتاد عتيد..
ولكن أريد من هذه الذكرى - التي شارك فيها كل الأحرار، وكل صاحب مروءة وإيمان وشهامة - أن أستخلص عِبرًا ودروسًا، وأقف عند نقاط خمسة:
1- ينبغي أن نعلم أن القوة المادية مهما تعاظمت بالباطل فإنها لا تغلب أصحاب الحقّ وإن ضعفوا:


بمعنى أن قوة المبدأ أقوى من مبدأ القوة، وحين يكون أهل الحقّ مع الحقّ مهما تكالب عليهم أهل الباطل فإنهم بقوتهم لا يستطيعون الغلبة، والله سبحانه وتعالى هو القائل:
{كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ} [البقرة: 249]

والشعوب المظلومة أمام ظالميها الجبّارين المستكبرين لابد أنهم ينالون الحقّ، لكن عندما يتذكرون قول الله تبارك وتعالى: {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء: 104].

فالألم مشترك، إذ الظالم لابد أنه يتألم من ضربات المظلوم الضعيف، لكن الذي يفرّق بين الظالم والمظلوم أن هذا المظلوم المؤمن بالله يرجو من الله ما لا يرجوه الظالم.
وحينما نلتفت إلى هذا وندرك أننا حينما نرجو رضوان الله، ونرجو الدار الآخرة، وحينما نتعلق بالله، وحينما نعلن هويتنا التي هي الاستمساك بالحقّ والاستعانة بالله تبارك وتعالى... فلا يمكن أن نغلب أبدًا وإن كنّا ضعفاء، فلا يمكن أن نغلب في فلسطين، ولا يمكن أن نغلب في القدس، ولا يمكن أن نغلب في أي أرض إسلامية يكون فيها أولئك المظلومون مع الحقّ مهما تكالب وتعاظم الظالم بباطله.
2- عندما دخل هذا الغريب الأجنبيّ إلى أرضنا دخل باسم الانتداب والاستعمار:

وهما كلمتان ظاهرهما حضاريّ، لأن الانتداب يعني الوصاية والرعاية، والاستعمار يعني في أصله أنه دخل ليعمّر، لكنها شعارات كاذبة جوفاء يستعملها الأقوياء الظالمون في كل مكان، وما حقيقة هذه الألفاظ إلا أنها غطاء يغطي كذبًا وافتراء ومطمعًا ومصلحة.
واليوم نجد في مجلسٍ يسمى "مجلس الأمن" وفي قوانين تسمى "شرعية دولية" نجد ظلمًا وحصارًا ومقاطعة لأهل الحقّ باسم الأمن وباسم الشرعية.
وهكذا في كل زمان تُستخدم ألفاظ كثيرة لا ينبغي أن نغتر بها، إنما ينبغي أن نكون على ثوابتنا ومعاييرنا، لا نفرق بين مصطلح وآخر إلا عندما نرى ما هو تحت هذا المصطلح، فإن كان تحت هذا المصطلح صدق وإخلاص ورغبة في الله تبارك وتعالى وموافقة للمبدأ... عند ذلك يتناغم المبدأ مع شعاره.
3- الثقافة كانت غريبة عن جسد الأمة:

فعندما دخل هذا الغريب أراد أن يزرع ثقافة غريبة في جسد الأمة، فكانت هذه الثقافة مثل عضو غريب نريد أن نـزرعه في جسد آخر، وهذا الجسد سوف يلفظ العضو الغريب.
هذه سنة الله.. سنة الله أن هذه الثقافة غريبة عن هذا الجسد.
وهكذا لَفَظَها هذا الجسد كما يلفظ الجسد العضو الغريب.
وعندما دخلنا يومًا من الأيام فاتحين إلى البلاد لم نكن نريد تغيير ثقافاتهم، وانظروا في تاريخ الفتوحات، وفي تاريخ سوريا الإسلامية عندما دخلت الفتوحات، هل غيّر الناس دينهم؟ وهل أُكرهوا على تغيير أديانهم؟
والله لم يحصل هذا، إنما نُشر الإسلام بالدعوة، ولم يكن هنالك أي إكراه، بل دخلنا بصدور مفتوحة.
حكمنا فكان العدل منا سَجيّةً..........ولما حكمتم سال بالدم أبطَحُ

فالثقافة الغريبة عن هوية الأمة تلفظها هذه الأمة، وهذه سنة من سنن الله تبارك وتعالى.
4- المظلوم وإن تأخر خلاصه يبقى أقوى من ظالمه لأنه مع الحقّ، والله بيّن أن الحقّ يدمغ الباطل:

قال تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} [الأنبياء: 18]
ومعنى يدمغه في اللغة أي يكسر دماغه، فإذا كان الضعيف المظلوم مع الحقّ، وكان الظالم القويّ مع الباطل، فإن الظالم مقهورٌ ومغلوب عاجلاً أم آجلاً.
5- الصبر والمصابرة سلاحٌ بيد المظلوم لا يقدر على استعماله الظالم:

لأن الإيمان ينتج الصبر والمصابرة، أما الظالم فإنه فاقد للإيمان، ولذلك لا يقدر على الصبر والمصابرة.
وهكذا: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ} [الأعراف: 128]
لأن الصبر هو نتيجة الإيمان والاستعانة بالله.
فإذا كان المظلوم صاحب إيمان فإنه يقدر على الصبر والمصابرة، أما الظالم فإنه لا يملك الإيمان، ولذلك لا يقدر على الصبر ولا على المصابرة.
وهكذا لملم المستعمر أذياله وعتاده وقوته وخرج من هذه البلاد.
هذه ثوابتنا..
ذكرياتنا التي تمر بنا تمر، لكنها تعيدنا إلى الدروس والعِظات.
البِرّ لا يبلى، والذنب لا يُنسى، والدّيّان لا يموت، اعمل ما شئت، كما تَدين تُدان.
رُدّنا اللهم إلى دينك رَدًّا جميلاً، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أقول هذا القول وأستغفر الله.
أعلى الصفحة