الموقع الشخصي للدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
الطب مهنتي والشعر أغنيتي وعلوم القرآن والسنة ثقافتي والتصوف ذوقي وسجيتي والفكر سلاحي وعلامتي والتربية بنقل الناس من علائق الكون إلى الاستغراق في حضرة الله وظيفتي وتحبيب الخلق بخالقهم فني وهوايتي
 

موقع الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني
 
Masjed Lessons دروس مسجدية
 
باب تحريم الظلم والأمر بردِّ المظالم الحديث الثاني عشر
رياض الصالحين
درس الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني في جامع العادلية بحلب
10/3/2010
 
مشاهدة /video/
ملف نصي   كتاب إلكتروني   استماع ²
شرح رياض الصالحين باب تحريم الظلم والأمر بردِّ المظالم
الحديث الثاني عشر
درس الدكتور محمود أبو الهدى الحسيني في جامع العادلية بتاريخ 10/3/20140
عن أَبي أُمَامةَ إِيَاسِ بنِ ثعْلَبَةَ الْحَارِثِيِّ رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: (مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْريءٍ مُسْلمٍ بيَمِينِهِ فَقدْ أَوْجَبَ اللَّه لَه النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ) فقال رجُلٌ : وإِنْ كَانَ شَيْئاً يسِيراً يا رسولَ اللَّه ؟ فقال : (وإِنْ قَضِيباً مِنْ أَرَاكٍ) رواه مسلم .
الحقوق بين الحق تبارك وتعالى وعباده مبنية على المسامحة، والحقوق بين العباد مبنية على المشاححة.
الحق إذا قصّرت في طاعته في أمر أمرك به يسامحك، يقبل اليسير من العمل، ويغفر الكثير من الزلل، رحمته سبقت غضبه، وحلمه سبق معاقبته.
أما الحقوق بين العباد فهي مبنية على المشاححة، أي أن العبد بتكوينه شحيح، مهما كان كريماً فإنه يبقى عبداً مخلوقاً مملوكاً فقيراً ...
هناك رجل في زمن من الأزمنة سأل عن مكان الملك في ذلك الزمان, فقالوا هو في الجامع تستطيع أن تراه في الجامع، فذهب فدخل إلى الجامع فنظر إليه فرآه يرفع يديه.
هذا الرجل له حاجة عند الملك فلما جاء إلى الملك وجد أن الملك يرفع يديه، فقال: ما الذي يفعله هذا؟ قالوا يسأل، قال: يسأل ممن؟ قالوا: يسأل من ربه، قال: إذًا أنا سائل وهو سائل, فلماذا أسأل من يَسأل ولا أسأل من يُسأل؟
فتركه ورجع وتوجه إلى الله، لأن العبد مهما كان صاحب مراتب يبقى صاحب فاقة واحتياج.
فذو فاقة والله ليس بنافع لذي فاقة إذ فقره به محدق
قد يقول شخص: لكن أنا بالتجربة رأيت غير هذا.
نقول: كيف رأيت غير هذا ؟
يقول: ذهبت إلى رجل غني, وقلت له: أعطني مالًا, فأعطاني, فامتلأ جيبي، نقول له :أنت أحمق، يا ليتك رأيت مسرح الدمى التي كانوا يسمونها: "كركوز وعواظ"
في مسرح الدمى هناك رجل من وراء المسرح يحكي القصة ويحرك الدمى، لكن المشاهدين يرون الدمى تأخذ وتعطي وتتحرك, لكن الحقيقة أنه لا أحد أخذ ولا أحد أعطى،وهكذا حال الناس في هذه الدنيا, عبّر عن هذا سيدي الجيلي بقوله:
أُراني كالآلات وهو محركي أنا قلم والاقتدار أصابع
وهو معنى الحديث: (إذا سألت فاسأل الله) يعني إذا سألت الخلق بلسانك فاسأل الحق بقلبك، لأن قلبك يعلم أنه لا يعطي إلا الله.
فإذا ذهبت إلى أحد, وقلت بلسانك: أعطني, لا تكن أحمقًا وتقول له بقلبك: أعطني.
بلسانك قل للمخلوق: أعطني، لكن في نفس اللحظة التي يقول فيها لسانك للمخلوق أعطني على قلبك أن يقول للمعطي الذي بيده كل شيء: أعطني، هنا انتهينا من قضية الحقوق المبنية على المسامحة والمشاححة، وعرفنا لماذا على المشاححة، لأن الكل سائل.
رجعنا إلى التفريق بين نوعين من الظلم والاغتصاب.
النوع الأول: ظلَم من غير قصد، والنوع الثاني: ظلَم عامداً متعمداً بقصد، وهذا الذي أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث.
لأنك لا تستطيع أن تجتنب الظلم من غير قصد، والحق سبحانه وتعالى يرضي الخلق يوم القيامة إن ظلمتهم من غير قصد منك، أي: حصل هذا منك من غير تعمد، أمّا أن يكون هذا الإنسان مترصداً قاصداً مخططاً للظلم عامداً, فهذا خطره عظيم يوم القيامة.
عبر عن ذلك الحديث: ( مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امرئٍ مُسْلمٍ بيَمِينِهِ) أي أنه دبّر للظلم، وخطط له، الإنسان الذي يكون مجبولاً عل التخطيط للظلم، على التخطيط للأذى، على التخطيط للإضرار لا مكان له في الجنة.
لأن الجنة للأصفياء {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا}[الحجر/47] لكن هذا إنسان يخطط للأذى، ويخطط للإضرار...
كما ورد في الحديث (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) فإذا كان بتكوينه مبنيًا على الإضرار فخطره عظيم، الآن في الأمثال الحلبية القديمة يقولون: "جانب العقرب لا تقترب، وجانب الحية ضع فراشك ونم"
ماهو الفرق؟
هناك نوعين من الناس المؤذين، واحد يشبه الحية، وآخر يشبه العقرب، الحية إذا لم تؤذها لا تزعجك، لكن العقرب مبني تكوينه على أنه متى رأى أحدًا ما سيلدغه، لا يقدر، يعني يؤلمه رأسه، لا ينام الليل إذا لم يؤذِ، هذا ليس له مكان في الجنة، هل سمع أحد أن في الجنة يوجد عقارب؟ لكن سمعنا كثيراً أن في النار يوجد الكثير من العقارب، لكن لا يوجد في الجنة ولا عقرب. فالذي يكون تكوينه تكوين العقرب لا يوجد له مكان في الجنة, لكن الذين قلوبهم كأفئدة الطير لهم مكان في الجنة.
لذلك هذا الأمر راجع إلى التربية، هذا الأمر راجع إلى التكوين، هناك أناس تكوينهم مستمد من الرحمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو رحمة عالمية {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء/107] فهو ينفع كل مخلوق.
كان عليه الصلاة والسلام ربما يؤذيه أحد الناس فيكون هذا الإيذاء سبب خير له، فينقلب الأذى وتتبدل الماهيات...
ألم يأتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أجل أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكانت هذه الحادثة سبب إسلامه وهدايته وصيرورته وزيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، هل كان السر في عمر؟ لا... السر في سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب باعث شره، فلما انقلب الباعث صار عمر الذي هو عمر، الوقّاف على الحق، الذي يحمل على ظهره كيس الطحين ويدخل على العجوز العمياء، اثنتا عشرة سنة يخدمها وهو خليفة المسلمين، يحمل في الليل -حيث لا يراه أحد- على ظهره كيس الطحين، ويدخل فيزيل النجاسة وينظف بيتها ويخرج، فلما استشهد عمر رضي الله عنه لم يعد يأتيها ذلك الرجل، فعرفت أن الذي كان يخدمها عمر، هذا عمر الذي جاء يريد القتل، جاء يريد البطش، وضرب زوج أخته وفعل وفعل... وبعد ذلك حصل انقلاب في التكوين والباعث، إذا استطعنا بالتربية أن نقلب البواعث، عند ذلك نكون قد أدينا رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ليست الكيمياء التي تحدثوا عنها في الرجال أن تقلب الرجل من رجل ظلماني إلى رجل نوراني، أو أن تقلبه من رجل جاهل إلى رجل عارف، الكيمياء عند كبار الرجال أن تقلب مريد الشر إلى مريد خير، هذه هي الكيمياء.
فإذا استطعنا أن نحول مريدي الشر إلى مريدي خير إذاً نحن نملك الكيمياء، وإذا لم نستطع أن نقلب مريدي الشر إلى مريدي خير فلنتعلم علم الكيمياء الذي هو تربية الرجال، هذا هو منهج التربية وخلاصته، أما أن يمسك الإنسان السبحة ويشتغل بالذكر، وبعدها يقول الحمد لله انشرح صدري واطمأن قلبي، وعندما ندخل إلى المعاملة نجده عقربًا، نقول: هذا لا استفاد ولا أفاد، وذكره يلعنه. من ثمارهم تعرفونهم.
عندما يكون الإنسان إنساناً، يحوِّل غير الإنسان إلى إنسان، فالطبع للطبع يسرق.




أعلى الصفحة